الجمعة، 7 أكتوبر 2011

لايوجد حل واحد لمشكلة الأراضي

                  بسم الله الرحمن الرحيم

كتبت يوماً عن أسباب المشكلة وكيف بدأت وأعتقد أن علينا كأصحاب رأي الحديث حول المشكلة وأسبابها أكثر من طرح الحلول، ورغم أن طرح الحلول قد يفيد في تجميع الأفكار والاستفادة منها من قبل صاحب القرار إلا أن الحل يبقى بيده وكل كلام يقال حول الحلول لن يكون له قيمة إذا لم يتحرك صاحب القرار.
ومع ذلك فالناس تسأل دائماً عن الحل فقط ولاتهتم بتشريح المشكلة لأنهم يرون نتائجها وينتظرون الخلاص فيتساءلون دائماً ماهو الحل؟
لايوجد حل
عندما تنمو المشاكل الاقتصادية وتتسبب في تشويه المشهد الاقتصادي بل وتعطيل الاقتصاد أحياناً أو توجيهه في اتجاه خاطيء وخلق سلسلة من التفاعلات السيئة التأثير فإنه لايمكن حل هذه المشاكل بقرار واحد.
إن الحلول في مثل هذه الحالات تحتاج إلى تصميم وهندسة متكاملة بحيث نصل إلى النتائج المرجوة دون زيادة مشاكل الاقتصاد، فمن المسلم به عند الاقتصاديين أنك تستطيع دائماً طرح حلول سريعة لكنها إن لم تكن ضمن حزمة إجراءات فإنها ربما تتجه بك إلى عكس النتيجة المرجوة.
كما أن بيئات الأعمال قادرة دائماً على العبث بأية قرارات وتعطيلها والالتفاف عليها طالما لم تعضد بحزمة من الإجراءات والأنظمة، والتي توضع بدورها بعد دراسة متأنية.
صحاب القرار
عندما نتكلم تحديداً عن مشكلة الأراضي والحلول المأمولة فإننا لابد أن نتطلع نحو صاحب القرار في هذه المسألة والقرار عندنا إما أن يكون عن طريق الأجهزة الحكومية التقليدية أو عن طريق رأس الهرم مباشرة، ولنتأمل قليلاً في هذين الطريقين.
أولاً: الأجهزة الحكومية
الحقيقة أن هذه الأجهزة ترزح تحت ضغط بيروقراطيتها المعتادة وهي غير قادرة على تسيير أمورها الإدارية بشكل أكثر فعالية فضلاً عن تتبع احتياجات المواطن وطرح الحلول وتنفيذها.
كما أن هذه الأجهزة تمثل دائماً دور الممانعة أمام أي قرارات فيها توسعة على المواطن بحجة توسع الصرف وعدم توفر الكادر ولاتكلف نفسها البحث عن حلول بديلة أقل تكلفة، بل أنها قد وصلت إلى مرحلة تأخير القرارات الملكية العاجلة ولوكها داخل أروقتها لتعيدها لنا بعد أن تسلب فرحة المواطن بها ثم تصدمه بسلب مضمونها وتحويلها إلى إجراء بيروقراطي آخر يزيد معاناة المواطن.
لا أثق أبداً في هذه الأجهزة ولا أنتظر منها أية حلول وإن كنت لا أغمط حق بعض فروعها في العمل على تحسين خدماتها عند وجود ضغوط كبيرة من القيادة أو من المواطنين والصحافة ووجود إداريين منفتحي التفكير سرعان ماتفقدهم الجهات الحكومية لاختلاف نوعية تفكيرهم الإبداعي عن بيروقراطية الشلل المزمن.
ثانياً: رأس الهرم
يتمثل رأس الهرم في خادم الحرمين الشريفين والديوان ومن يختارهم لإنجاز أعماله المستعجلة، وهذه المؤسسة – إن صح وصفها بالمؤسسة – هي أكثر فعالية وقادرة على إعادة صياغة مستقبل البلد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل حتى الديني، وفي اعتقادي أنها تعمل بشكل جيد وسريع وفعال عند توفر الإرادة، وهي قادرة على مواجهة أي تحديات من الممكن ظهورها أمام أي قرار مدعمة في ذلك بالنظرة الشعبية والدينية المتمثلة في أدبيات السمع والطاعة لولي الأمر.
وإن كانت هذه المؤسسة في النهاية مؤسسة قرار وليست مؤسسةً تنفيذية وبالتالي فلابد من العودة إلى مربع الحكومة ولكن عند اتخاذ القرار فإن الحكومة وقتها ستكون منفذاً فقط وإن كان ذلك ببطء ولكن المهم أن يصدر القرار.
أرى تحت الرماد وميض جمر
مادام التوجه إلى رأس الهرم مباشرة أجدى وأنفع فإنه لابد من تكثيف الجهود لإيصال صورة واضحة لخادم الحرمين الشريفين للبدء بدراسة الوضع وتصميم الحل المتكامل، لقد كتبت حتى الآن مئات الصفحات واليوم بدأت تظهر أفلام تشتكي الوضع وماعلى الشخص إلا البحث في الموضوع ليجد عدداً مهولاً من المقالات والتعليقات والأفكار وكل ماعلى صانع القرار هو إعادة الأمل بتبني المشكلة.
المشكلة في نمو وبدأت بالتأثير سلباً على جميع مناحي الحياة في البلد وأخص منها نفسيات الشباب الذين بدأوا يوصفون المشكلة بأنها انحياز إلى أصحاب المصالح لبقاء الوضع على ماهو عليه بل وتفاقمه، وربما يصلون إلى نتائج أخرى أكثر سوداوية حتى لو لم يكن لها سند من منطق أو واقع ولابد من إيقاف هذا الإحباط وإعادة الأمل إلى نفوس الشباب.
إذا كان هنالك انحياز فلابد أن يكون للشباب والأكثرية، والتوجه إلى تصميم مستقبل منحاز إليهم هو عين العدالة فمن غير المعقول استمرار وضع خاطيء نشأ عن ظروف تاريخية بحجة أنه أمر واقع فالأمر الواقع لمن أراد رؤيته هو ملايين الشباب المحبط.
ولعلي أترنم هنا ببيت لرجل حكيم قال يوماً:
أرى تحت الرماد وميض جمر          ويوشك أن يكون له ضرام
المعلومة الصحيحة = الإجراء الصحيح
لايمكن لأي جهة أن تبدأ في تصميم الحلول والإجراءات السليمة لهذه المشكلة إلا بتوفر المعلومات المناسبة والدقيقة حولها، وهنا نجد أن التعداد قد جمع كماً كبيراً من المعلومات حول حجم المشكلة ولكن عند النظر إلى الآليات التنفيذية لحل مشكلة الأراضي فإن هذه المعلومات محدودة الفائدة.
وبالتالي فإن معالجة المشكلة تحتاج إلى معلومات دقيقة حول حجم الأراضي والصكوك المصدرة وماتمت الاستفادة منه من عدمه وكيفية تملك هذه الأرض (شراء مباشر، هبة، منحة) وتاريخ شرائها . . إلخ
المشروع الوطني لتسجيل العقار
إن الخطوة العملية الأولى لتكوين قاعدة من المعلومات الدقيقة هي في تجميع المعلومات العقارية كاملة في إهاب واحد وحفظها بشكل إلكتروني قابل للتحديث المستمر وتجميع جهود الأمانات المبذولة في هذا الاتجاه.
فكما أن الأمانات تقوم بحصر العقارات وأنواعها بشكل دائم فلابد من حصر الأراضي وتوثيق ملكيتها عبر إطلاق مشروعٍ وطنيٍ لتسجيل العقار يعمل على توثيق كامل المعلومات الخاصة بالأراضي، وأعتقد أن مجرد الإعلان عن هذا المشروع من شأنه خفض أسعار الأراضي لأنه سيعطي مؤشراً للأسواق أن صانع القرار ينوي التدخل لحل المشكلة.
إن الإعلان عن مشروع من هذا النوع وتحديده بمدة زمنية يتم خلالها مراجعة مراكز توثيق يتم إنشاؤها في المحاكم لتسجيل الصكوك إلكترونياً تحت رقم السجل المدني للمالك سيضع أمام صانع القرار المعلومة بشكلها الحقيقي (القبيح) ويمكنه بعد تحليل البيانات التوجيه بتصميم الحل المناسب.
بإمكاننا الإنتظار لحل المشكلة ياحكماء البلاد ولكن أرونا أنكم تريدون ذلك.