الاثنين، 25 أبريل 2016

برنامج التحول الوطني

بسم الله الرحمن الرحيم


برنامج التحول
ينظر المواطنون بأمل إلى العهد الجديد وإلى برنامج التحول الوطني ولم يعد الحديث يدور إلا عنه وعن الحرب على الحد الجنوبي وعمل المملكة على قيادة سياسة المنطقة إلى الاستقرار.
ولاشك أن هنالك عمل على ترتيب البيت الداخلي وإعادة صياغة الخطط وآليات إدارة الدولة بجميع نواحيها بل أن الكلام يكثر عن عقد اجتماعي جديد ودولة سعودية رابعة.
لن أخوض في الشأن السياسي البحت لاعتبارات عديدة وسأتوجه مباشرة إلى الشأن الاقتصادي كيف هو الآن وكيف سيكون وباختصار شديد إن شاء الله.

الوضع الاقتصادي الحالي
علينا الاعتراف بأننا نمتلك نموذجاً اقتصادياً فريداً عصياً على التصنيف فهو رغم بساطته يحوي بعض التعقيد ورغم وضوح هياكله إلا أنها لاتتكامل بالشكل الذي تطرحه كتب الاقتصاد.
ومثال على ذلك محاولة البعض وصم اقتصادنا بنموذج المرض الهولندي وأقول نعم كان من الممكن أن يكون اقتصادنا حالة نموذجية لهذا المرض لو كان اقتصادنا نموذجياً لكن الواقع أنه لايشكل نموذجاً نمطياً حتى ينطبق عليه المرض الهولندي.
وهكذا علينا في كل مرة نجد فيها نموذجاً اقتصادياً ونريد تحليل اقتصادنا الوطني من خلاله أو استخدامه لتطوير اقتصادنا علينا أن نتوقف قليلاً ونتذكر أننا نملك اقتصاداً فريداً وبالتالي علينا أن نبتعد عن الأمثلة المطروحة في كتب الإقتصاد وأن نعمل على فهم اقتصادنا بشكل أكثر واقعية ومن ثم العمل على تحديد مشاكله ونواقصه ومعالجتها والدفع به إلى الأمام ليواكب الدور المأمول منه.

الطروحات الاقتصادية الإعلامية
يبدو أنه بات من الظاهر لكل مهتم أنه توجد مشكلة حقيقية في هيكل اقتصادنا وقدرته على الاستدامة والفرص الضائعة في داخله. وبالتالي فقد أدلى الكثير من المهتمين بدلائهم ووضعوا تشخيصاتهم وطروحاتهم لإصلاح هذا الوضع ولكن تكمن مشكلة هذه الطروحات في عدة نقاط أجملها في الآتي:
أولاً- مشكلة الأرقام والبيانات
للأسف الشديد لايمكن لأي باحث اقتصادي تناول الشأن الاقتصادي دون الضياع بين الأرقام المتباينة وإن كانت هذه المشكلة تأخذ في الانحسار إلا أننا مازلنا نشهد تضارباً في أرقام مهمة وتبنياً لأرقام مضللة من كتاب ومحللين وأحياناً جهات رسمية.
ثانياً- الموضوعية
في هذا الباب مازلنا نشاهد مقالات وتحليلات اقتصادية تفتقد إلى الموضوعية يبدأها الباحث بنتيجة ويختار لها مايشاء من الأرقام ليثبتها ويخرج من خلالها بنتائج وتوصيات وطروحات مهمة ولكنها للأسف خاطئة من الناحية العلمية.
يعمل هؤلاء الكتاب والباحثين بجد وبشكل تبريري إما لما في أنفسهم من غايات شخصية أو سياسية أو خدمة لبعض أجهزة الدولة في توجهاتها وهذا للأسف انعدام للموضوعية والأمانة.
ثالثاً- ندرة الطرح المتخصص الرصين
بعيداً عن الإصدارات العلمية المحكّمة ذات الطبيعة الأكاديمية فإن المقالات والأبحاث بل وأحياناً حتى الترجمات المنشورة تفتقد إلى الطرح الرصين الذي يتم وفق الأصول وتتم مراقبته من قبل لجان من المتخصصين.
لايمكن طبعاً ضبط كل مايكتب ولكننا نحتاج إلى إصدار إعلامي واحد على الأقل تكون فيه المقالات والأبحاث المهتمة بالشأن الاقتصادي مراجعة من قبل مختصين، فيكون هذا الإصدار مسطرة للساحة الإعلامية الاقتصادية ونموذجاً يرتفع بمستوى الكتابة الاقتصادية.
عليه فإن الساحة اليوم مليئة بالأرقام والمفاهيم الخاطئة والمغالطات البينة في محاولة تطبيق صورة الاقتصاد النموذجي على الاقتصاد السعودي بآلية ميكانيكية لايمكن أن يقول بها اقتصادي متجرد.
سأذكر مثالاً واحداً وهو الحديث الكثير عن دعم سعر وقود السيارات، كثرت الطروحات والأرقام المضللة جهلاً أو عمداً من بعض الاقتصاديين وتركز كلها على المواطن واتهامه بالإسراف وتكليف الدولة مالا تطيق وحرق براميل النفط التي كان من الأجدر بها أن تصدر، ثم يظهر تواضع الأرقام الحقيقية وتزييف الإعلام والإعلاميين والاقتصاديين لتلك الأرقام ومع انخفاض سعر البترول وجدنا أن مقدار هذا الدعم الذي ثارت حوله هذه الزوبعة رقم عادي وليس بتلك الضخامة.

عقدة الذنب
يأتي برنامج التحول الاقتصادي اليوم بعد سنوات من جلد الذات الذي مارسه المجتمع، فقد ناح المسؤولون والاقتصاديون والإعلاميون ونشروا أرقاماً مغلوطة واستمروا في ذلك عدة سنوات حتى أقنعوا المواطن بأنه هو العدو الأول للاقتصاد لأنه يستهلك الموارد والخدمات ولايعمل ولاينتج ويشكل العقدة الحقيقية أمام تقدم بلده، بل أنهم أوهموه بأن فهمه الديني وعاداته وتقاليده تتسبب في تعطيل نصف طاقة المجتمع حتى بات المواطن يشعر بالفعل بعقدة ذنب تجاه وطنه وأصبح هو نفسه يطالب بفرض الضرائب ورفع المعونات لحماية الاقتصاد من جشعه المزعوم! بينما الفشل الحقيقي هو فشل الحكومات المتعاقبة التي لم تمتلك المعرفة ولا الرؤية ولا الإرادة الحقيقية لتطوير الاقتصاد السعودي.

رؤية 2030م
تأتي اليوم رؤية 2030م للاقتصاد السعودي لتستفيد من كل هذه الفوضى وتوظفها لهدف سامٍ كما يبدو وهو نقل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد أكثر كفاءة وفعالية واستدامة وتحجيم الاعتماد على النفط.
ولكنني أستشرف لهذه الرؤية نهاية واضحة جداً، ففي حال نجاح تطبيق هذه الرؤية فإنها ستكون توطئة لنظام اقتصادي طبقي عتيد فيه طبقة ملاك تتكون من النبلاء وأثرياء ماقبل سنة 2016م الذين يملكون وسيستكملون امتلاك عناصر الإنتاج ورؤوس الأموال والوظائف العليا في الدولة ويضاف إليهم التجار الأجانب الذين سيستثمرون في المملكة وتحل تحويلاتهم للخارج محل تحويلات العمال الآسيويين البسطاء.
أما الطبقة الأخرى فهم عامة الشعب من الفقراء ومتوسطي الدخل فهذه الطبقة ستكون طبقة كادحة ذات سقف طموحات منخفضة، في أحسن الأحوال ستجد الوظائف وإذا تمت إدارة الاقتصاد بشكل جيد فإن دخولهم ستكون معقولة ولكنها لن تنقلهم إلى طبقة أفضل من طبقة العمال أو الموظفين وفي أحسن الأحوال التنفيذيين في شركات أباطرة المال.
إذا أردت أن تعرف كيف ستكون نتيجة برنامج التحول فيما لو تمت إدارته بشكل جيد فانظر إلى النموذج البريطاني مثلاً الذي تحولت فيه العائلة المالكة والنبلاء إلى مستثمرين كبار محليين وعالميين وبقية الشعب مطحون في دائرة العمل والضرائب والبحث عن البرامج الاجتماعية، غير أن المستثمرين الأجانب في بريطانيا لايخرجون الكثير من الأموال منها.
وهنالك فرق الجوهري ومهم جداً وهو أن الحكومة البريطانية مفلسة مثل أغلب حكومات القارة العجوز بينما ستكون الحكومة السعودية ثرية جداً بسبب عائدات البترول.
هنا يعود الشأن السياسي ليفرض نفسه ونتساءل لماذا يتم إعداد هذا النموذج الاقتصادي؟
سيكون هذا النموذج مفهوماً فيما إذا كانت القيادة السعودية متشائمة جداً من مستقبل النفط (أستبعد ذلك) ومدركة لتقلبات أسواقه كما أنها تستعد لتحول حاد في مسألة المشاركة السياسية وتريد حفظ امتيازات الطبقات ذات الامتيازات في المجتمع السعودي، ولكن ماذا عن امتيازات الطبقة الكادحة التي سيتم رفع الدعم عنها وفرض ضرائب عليها والضغط عليها لتحمل فاتورة التغيير؟
وسؤال آخر مهم هو كيف سيتم تطبيق كل ذلك دون رقابة مستقلة وكيف بحكومة غنية وغير ملزمة - بسبب برنامج التحول – على رعاية المجتمع أن تلتزم فعلاً بالنزاهة والكفاءة والتي تعد من أهم مشاكلها الحالية؟

أعتذر عن هذه النظرة المتشآئمة ولكن هذا بالفعل ما أراه شاخصاً أمامي في حال تطبيق هذه الرؤية وأرى أنه لابد من إعادة النظر فيها بما يضمن حقوق الجميع إذا كان مطلوباً من الجميع إنجاح هذه الرؤية.