الخميس، 9 يونيو 2011

كيف ضاقت الوسيعة؟

بسم الله وحده والصلاة على من لانبي بعده . . أما بعد
لوتكلمت بنبؤة لطلبت قصب السبق ولو بحت بسر لجاهرت بالمعرفة ولكنني سأتكلم بماتعلمون وجل ما سأفعله أن أنظمه في نسق واحد، لست بحلال المشاكل ولاعلامة الزمان، أنا رجل منكم يريد أن يبوح ويريد أن تشاركوه الهم لعل الله يكتب لنا الفرج.
سيقرأ المقالة أناس من أعمار مختلفة وخلفيات متباينة ولكن سيتفق الغالبية معي بوجود مشكلة وربما اختلف البعض وأقول لمن يختلف معي حول وجود مشكلة إصبر حتى نهاية المقال ثم قرر موقفك.
العصر الذهبي
كان ياما كان في قديم الزمان دولة ناشئة حديثة تتأجج بالأمل وتتطلع للأمام برغم كل مشاكلها وحداثة سنها وقلة مواردها ولكن أملها في الله كبير جداً ولم يخيب الله الظن . . إنه الأمل يا إخواني الأمل.
بدأت الأرزاق تتدفق وانفتحت خيرات الأرض وعاشت البلاد ربيعها وكان للأرض قصتها فقد كانت إما:
1-   مناطق القبائل الحاضرة. وهي مناطق مملوكة بالكامل للقبائل القاطنة فيها تستصلح منها ماتراه مناسباً وتتخذ من الجبال محميات للرعي وتديرها بدقة عجيبة فترعى جزءً وتحمي آخر ثم تبدل بينها ولها أعرافها وقوانينها. وهذه الأراضي مقسمة تماماً بين القبائل ولاتجد شبراً واحداً دون مالك.
2-   المدن والحواضر. تتمركز عادة حول قلب البلدة أو المدينة ولها أطراف هي لمن أحياها أو ابتنى فيها ثم لها ضواحٍ زراعية وأرياف ينطبق عليها ماينطبق على أراضي القبائل، وفي بعض هذه الحواضر كانت حتى أطراف المدن مملوكة ومقسمة مسبقاً كوديان ومحميات لبعض القبائل أو الأسر العريقة.
3-   مناطق القبائل البدوية. وهي مناطق مفتوحة ورغم معرفة كل قبيلة لمناطقها ومراعيها إلا أن الأمر بشكل عام واسع فلم تكن للأرض أهمية خاصة وإنما الأهمية للمراعي وآبار المياه ومافي حكمها. وكثيراً مايحصل التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في مناطق نفوذ هذه القبائل.
4-   كانت هنالك بعض الملكيات الإقطاعية القديمة العائدة لعهد الدولة العثمانية والتي أخذت ظلماً وعنوةً من أهلها في بعض المناطق في حالات محدودة مثل القطيف والأحساء وهذه تصرف معها الملك عبدالعزيز رحمه الله بإعادة الحقوق المسلوبة إلى أهلها وبقيت بعض الملكيات الكبيرة ولكنها أخذت حكم ماحولها من الأملاك دون سخرة أو استعباد للبشر.
أما باقي الأراضي فكانت خلاءً مفتوحاً للشمس والهواء والسيارة، ومعها الشواطيء البكر التي لم تضق يوماً بصياد أو تاجر أو عابر سبيل.
حتى الآن ماتزال القصة جميلة ولايوجد مشاكل من أراد أن يختط أرضاً ويبني بيتاً فأرض الله واسعة وإحياء الموات مطلوب فتوسعت المدن وازدهرت وكثر الناس والمعايش، بل أن الدولة سعت في توطين البادية وإنشاء الحواضر.
جاءت مرحلة النفط وجاء الخير وابتدأت الدولة في تخطيط المدن وإنشاء الأحياء وتوزيع المنح للمواطنين وإعطاء القروض للبناء حتى أنه جاء وقت تصرف القروض للرجل والمرأة، هذا مع استمرار النمط القديم عند البعض في سكن مايسمى بالأحياء العشوائية الآن فكان الرجل يختار الأرض الخالية في الحي ويستأذن جيرانه ويبني له داراً بسيطة تلم شتات عائلته وتقيه الشمس والمطر.
أليس هذا بعصر ذهبي؟ . . عند الشيوعيين كان العصر الذهبي هو عصر المشاعية الأولى المفترض، ولكن حتى أحلام الشيوعيين لم تصل إلى هذه الدرجة . . أن يعطى المواطن والمواطنة أرضاً ومالاً لبنائها ! . . هل أزيدكم؟
لقد كان المواطن يقدم في أكثر من مدينة وفي كل مدينة كان يعطى أرض منحة! إنه عصر المواطن الذهبي بكل تأكيد.
هذا عن الحيازات الصغيرة المعدة للبناء فماذا عن الحيازات الكبيرة؟
الحيازات الكبيرة المستحدثة في تلك الفترة كانت على أنواع:
1-   ماحازه شيوخ القبائل الحاضرة. وذلك عن تراضٍ داخل القبيلة وربما استخدم الشيخ سلطته لزيادة حجم الحيازة ولكنه يبقى ضمن إطار التوافق العام. والغالب محدودية هذه الحالات بسبب تعنت أبناء القبائل في السماح لشيخوهم بحيازة مساحات كبيرة من أرض القبيلة لأن ذلك سيؤثر على نصيبهم منها فيما بعد.
2-   ماحازه شيوخ القبائل البدوية من مساحات واسعة في مناطق الهجر المستحدثة وكان ذلك من باب إحياء الموات.
3-   النطاقات العمرانية حول المدن والتي بذلتها الدولة لكل من شاء مقابل مبالغ رمزية على أمل أن يقوم المالك الجديد بتخطيطها وبيعها على المواطنين وكان ذلك في إطار رغبة الدولة في التأسيس لصناعة عقارية تقوم بأعباء المرحلة.
4-   التملك عن طريق إحياء الموات وكان ذلك يتم بأن يسور المواطن أرضاً في الخلاء بعيداً عن المدن ونطاقاتها ويزرع بعضها بقليل نخل يصمد حتى يراه مفتش وزارة الزراعة ويعطيه الإذن بالتملك.
5-   المنح المباشرة وهي عادة تصرف عن طريق الديوان الملكي وتختص بالأمراء والوجهاء وبعض المواطنين من ذوي الحظوة.
حتى الآن مايزال الأمر في سياق المرحلة ولم يكن هنالك شديد ولع بالأراضي بل أن مالك الأرض لم يعتبرها رأس مال في حد ذاتها إن لم تكن زراعية جيدة، ومالك الأرض السكنية الخام لم يكن يتحمس كثيراً لتحويلها إلى مخطط بسبب التكاليف وضعف الإقبال.
الطفرة الأولى
لا أود الخوض في بيانات ومعلومات وتحليلات اقتصادية لمرحلة الطفرة العقارية الأولى وكيف بدأت فالموضوع قتل بحثاً ولكنني أعرج سريعاً من أجل القاريء الشاب خاصة - أما نحن فقد هرمنا وسبق أن عشنا أجزاءً من المرحلة – ليقارن الليلة بالبارحة.
حدثت في الأعوام من 1394هـ وحتى 1405هـ، الموفقة 1974م إلى 1985م. زيادات كبيرة في أسعار النفط وبالتالي دخل المملكة وإنفاق الحكومة، انعكست هذه الزيادات في مشاريع تنموية طموحة وإنفاق مباشر لجيوب المواطنين وزيادات في المعاشات ومدن جديدة وقواعد عسكرية ووظائف بالجملة وإنشاء الصناديق وبذل القروض، وللتجار والمقاولين مثل ذلك وزيادة فقد تصدرت الحكومة لدعم كل نشاط اقتصادي ممكن فالطموحات كبيرة والاقتصاد المحلي بدائي وضعيف.
لقد كان الاقتصاد ضعيفاً وبدائياً في كل قطاعاته حتى القطاع البنكي وقد كان كبار التجار وقتها يخصون البنوك الخارجية بودائعهم الضخمة وتعاملاتهم الكبيرة لأن بنوكنا لم تكن بعد على القدر الكافي من الاحترافية ولا المصداقية لخدمة المرحلة (لاحظ التشابه مع الفارق مع وضع بنوكنا المحلية اليوم).
وقد اضطرت الدولة للتدخل في كل نشاط لتحفيزه بل واستثمرت في النشاطات الكبيرة التي أحجم عنها التجار التقليديون ومن ضمن هذه الأنشطة العقار.
لكل مدينة من مدن المملكة قصتها ونموذجها الخاص مع الطفرة ولكنها اشتركت في الشكل العام وهو ارتفاع أسعار الأراضي أضعاف مضاعفة ونشؤ طبقات جديدة من الملاك والمخططين (أو مايسمى المطورين وهم يسمون أنفسهم المسهمين أي من يحولون الأراضي إلى أسهم عقارية) والسماسرة والحقيقة أن كل السلسلة كانت عبارة عن سماسرة ولكنهم يختلفون في الرتب وكانت هذه المرحلة تتميز بالجنون التام فقد وصلت في فترة الزخم أن يتم تداول السهم العقاري خمس مرات وأكثر في اليوم الواحد وربما تضاعفت قيمته مرات في نفس اليوم !
الصدمة
انخفضت فجأةً أسعار النفط وانخفض دخل المملكة وبالتالي الإنفاق الحكومي وفقدت الطفرة الزخم ودخلت السوق مرحلة الصدمة.
لم يصدق العقاريون أن اللعبة توقفت وهذا عائد بالطبع إلى الاندفاع بروح القطيع المتفائلة وانعدام الخبرة في الأسواق فإذا كانت الدولة نفسها جديدة فما بالك بأسواقها المستحدثة؟ . .
وهنا تتدخل الحكومة وبقوة لتعويض خسائر العقاريين من ضمن قطاعات أخرى في الاقتصاد ويبدأ التغير في الوضع العقاري وهدوء البيع والشراء والمساهمات العقارية ولكن القطاع العقاري يبقى حياً بسبب الأعمال التي استقرت وصندوق التنمية العقارية قبل تباطؤ عجلته.
مشكلة الطفرة أنها خلفت فكراً خاطئاً ونظرة مشوهة للعقار من قبل تجاره خاصة أن توقف الطفرة لم يتسبب في انهيار العقار تماماً بسبب الطلب الحقيقي الذي ظل مستمراً رغم توقف طلب المضاربات العقارية وهنا تنشأ الأفكار العقارية العتيدة مثل (العقار يمرض ولكن لايموت) وإن كان البعض يتندر بهذه العبارة على العقاريين ولكن من أدرك شيوخ العقار وأساطينه علم أنها عقيدة قد انعقدت قلوبهم عليها وهي مبنية على ملاحظة صحيحة أفرزها واقع خاطيء.
من العجيب أن بعض تجار العقار وإمعاناً في فهمه العجيب للسوق بقي مصراً على أسعار الطفرة طوال عشرين سنة بعد توقفها ! . . تخيل أن يبقى مصراً على أسعار الطفرة رغم أنه طرأ على المنطقة حرب الخليج الثانية والعديد من الأزمات فقد العقار جاذبيته في مراحل منها ومع ذلك يستمر في عرض أراضيه بأسعار الطفرة لعشرين عاماً متجاهلاً تطور الاقتصاد ونشؤ الشركات الكبيرة واتساع دائرة الاستثمار (بالنسبة لأيام الطفرة) بل أنه حتى لم يكلف نفسه بتقديم فائدة للمجتمع ببناء أراضيه فكل مايطلبه أسعار الطفرة ! والصبر حرفته فقد حقق أثناء طفرته الأثيرة إليه من الأموال مايمكنه من الدخول في مرحلة بيات طويل.
إن فهم هذه العقليات مهم لإدراك مانواجهه اليوم في عالم ملاك العقار من دينصورات العقار التي لم تنقرض ولم ينقرض فكرها وبقيت رابضة على هذا المورد الوفير حتى حولته إلى مورد شحيح.
الحقيقة أن تحليل العقلية الاستثمارية التقليدية لكبار ملاك العقار مطلب مهم ولولا خشية الإطالة لفصلت فيها ليعلم القاريء أننا نواجه شخصيات وعقليات هي أقرب إلى أبي الهول فلا منطق ولا معرفة، توقفت أفهامهم عند مرحلة زمنية ماضية نصبوا لها سرادقات التصبر وعالجوا طول الزمن بالانتظار وعطلوا معهم ثرواتهم كل ذلك في انتظار ساعة الانتقام من المجتمع ليقتصوا لربع قرن قضوه في الانتظار، ورغم أنهم مازالوا على رأس أعمالهم ويجنون أرباحاً جيدة إلا أنهم يريدون الانتقام من الزمن والبلد بما فيه ومن فيه (نحن طبعاً مادة الانتقام).
اعلم أيها القاريء العزيز أن هذه النوعيات من البشر خطر كبير على الوطن ولابد من علاجها بشكل جذري وقطع دابرها فرغم تطور القطاع العقاري اليوم إلا أن مثل هذا المنطق العقيم مازال يسيطر على أقطابه أقول ذلك لنكون مستعدين لأقسى الحلول من أجل الصالح العام.
المرحلة المعاصرة
الوضع المعاصر للقطاع العقاري وضع غير طبيعي لعدة أسباب فهو بشكل عام يمثل طفرة جديدة ولكن هذه المرة يدعمها طلب قوي على النحو الآتي:
1-    الطلب الحقيقي للمساكن الناشيء عن الانفجار السكاني والتركيبة العمرية للمجتمع.
2-    الطلب المتنامي بقوة للقطاع التجاري وقطاع الأعمال.
3-    الطلب الاستثماري على المديين المتوسط والطويل. من خلال حبس الأرض وانتظار زيادات أكبر في الأسعار.
4-   الطلب الناتج عن توسع الانفاق الحكومي وبلوغه أرقاماً قياسية في كل مرة خلال السنوات الماضية وماينتج عن هذا الانفاق من أنواع متعددة من الطلب على العقار بكل أنواعه حتى الأراضي الخام.
المشكلة الحالية هي أنه ورغم وجود كل هذا الطلب القوي على الأراضي إلا أن الأراضي المعروضة للبيع غير متوفرة بشكل كافٍ هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الدولة لم تعد تحتكم على أراض مناسبة لتخصيصها لمشاريعها فضلاً عن منحها للموطنين لتخفيف حدة الطلب وكانت النتيجة الطبيعية هي مانكابده حالياً من غلاء مضطرد في أسعار الأراضي.
لايستطيع الكثير من الناس اليوم فهم الوضع الحالي ويتساءلون عن شح الأراضي في بلد تحيط الصحراء بكل مدنه وهنا لابد من بعض التفصيل.
أين الأراضي؟
أولاً: هنالك حقيقة صادمة وهي أن الكثير من الأراضي المخططة والجاهزة للاستثمار السكني والتجاري والمبثوثة في الأحياء (تقل في الداخلية وتزداد مع توجهنا للأطراف) قد تم استغلال الكثير منها بالفعل خلال الخمس سنوات الماضية مع تزايد الوتيرة خلال العامين الأخيرين، وما تبقى منها مرتبط بملاكها الذين يحافظون عليها كمخزن للقيمة وملجأ لأموالهم الفائضة حيث يتساءل بعض ملاكها ماذا سأفعل بقيمتها إن بعتها؟ . . والحقيقة أن ملك الموت قد ساهم بشكل كبير في إعادة هذه الأراضي إلى السوق بشكل فعال من خلال الورثة الذين أعادوها إلى طبيعتها كسلعة بدل أن تكون مخزناً للقيمة.
ثانياً: حيازات غير مخططة داخل النطاقات العمرانية وتكون في الغالب أراضٍ مملوكة للبلدية يتم تطبيق منح الأمراء أو بعض المتنفذين عليها. وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة غائبة وهي أن معظم الأمراء الذين يتهمون بتعطيل الأراضي داخل النطاقات العمرانية هم في الحقيقة أفضل من ملاك العقار الكبار، فالأمراء عادة يقومون ببيع الأراضي الداخلة ضمن النطاقات العمرانية بمجرد تطبيق أوامر منحهم عليها حيث أنهم يتعاملون معها كوسيلة لتحسين أوضاعهم، بل انهم يبيعونها أحياناً وهي ماتزال أوامر دون تطبيق فيتلقفها سماسرة العقار ليطبقوها هم على أراضي البلدية مستغلين أسماء الأمراء طبعاً.
ورغم أن هذا النوع من التعاملات يحدث خللاً في السوق وتشويهاً للمدن وخنقاً لها بسبب ضياع أراضٍ مخصصة للبلدية وتحولها إلى غير ماخصصت له إلا أنه يحسب للأمراء تصرفهم السريع فيها ودفعها للسوق ولكنها للأسف كثيراً ماتقع في يد من يكنزها تحت الشمس فهي كما يقول لاتأكل ولاتشرب.
ثالثاً: أطراف المدن والضواحي. وهذه هي التي تمثل الحل المفترض من الناحية النظرية ولكنها من الناحية الفعلية جزء من المشكلة.
إعلم عزيزي القاريء أن ماتراه من برارٍ شاسعة عن يمينك وعن شمالك وأنت مسافر مثلاً من الدمام إلى الرياض قاطعاً حوالي ثلاثمائة وتسعين كيلومتراً هي عبارة عن أملاك متنوعة منها الخاصة ومنها العامة أي أن توسع المدن وتملك العباد خلال المائة عام القادمة بإذن الله لابد أن يصب في جيوب محددة وعلى مثل ذلك فقس أي طريق صحراويٍ مهجور تسير فيه . . فلاينجو من هذه القاعدة إلا القليل من المناطق.
رابعاً: تزيد المشكلة تعقيداً في المدن القديمة مثل مكة والمدينة أو الواقعة في وسط مناطق قبلية مثل الطائف وأبها حيث أن محيط هذه المدن مملوك بالفعل للقبائل القاطنة فيه منذ مئات السنين وهنا تماس بين الدولة والقبيلة.
خامساً: المدن المحصورة بأملاك الشركات الكبرى مثل وضع عدد من مدن المنطقة الشرقية مع شركة أرامكو وسابك والمناطق الصناعية الكبرى فهذه المدن إن كان لها من متنفس فهو إما باتجاه دفن البحر أو الصحراء المملوكين مسبقاً !
سادساً: الأراضي المملوكة لجهات حكومية. والحقيقة أن هذه الأراضي لابد من إعادة النظر فيها فهي محجوزة على أساس التوسع المستقبلي ولكنها في الواقع قد تم تملكها من قبل الجهات الحكومية في وقت الوفرة ودون دراسات حقيقية لمدى الاحتياج إليها.
نعم عزيزي القاريء هذه هي الحقيقة فقد ضاقت الوسيعة وهذه ببساطة إحدى إفرازات الطفرة الأولى فقد تعلم العقاريون درساً مفاده أن ماكان يعرض علينا من تملك في الصحراء وأطراف المدن بأثمان زهيدة بخسه وفرطنا فيه سابقاً ثم تحول إلى أحياء مزدهرة لن نفرط فيه اليوم ويساعدهم في ذلك ماكدسوه من أموال يتعاملون معها على أنها مشكلة في حد ذاتها فلا أجمل من دسها في تراب الصحراء فلابد لك أيها المواطن من الوصول إلى هنالك يوماً ما وحينها ستجد نفس الوجوه ونفس الأسماء تنتظرك لتمتص دمك.
أيادٍ طويلة ومال وفير
إن واقع الأراضي الغير مستثمرة اليوم (إما مخططة متروكة كقطع خالية أو أراضٍ خام غير مخططة) عائد إلى إفرازات هذه الثقافة فهؤلاء الملاك الخازنون للأراضي لم يكتفوا بما تحت أيديهم بل أن الشره قد وصل بهم مرحلة مخيفة، فإذا كنت من سكان مدينة صغيرة أو متوسطة فإنك ستفاجأ عند وجود مخططات جديدة وبأسعار في متناول سكان تلكم المناطق قليلة السكان قليلة النشاط الاقتصادي ستفاجأ بكميات من البشر تتقاطر من أنحاء المملكة وتنهال شراء في هذه المخططات حتى تأتي عليها فتتحول القطعة السكنية ذات الأربعمائة أو خمسمائة متر التي كانت تتداول بحدود الأربعين ألف ريال إلى مائة وخمسين ألف ريالٍ في غضون سنتين فقط وتبدأ في الصعود !
نعم وتجد بعضهم قد هجم على الأراضي محملاً بوكالات الشراء ليجمع مايقدر عليه لنفسه ولأصدقائه أو زبائنه . . وعندما يريد الشاب ساكن الساحل الغربي أن يبني منرلاً لعائلته فعليه أن يشتريه من (شايب) على الساحل الشرقي كان في شبابه قد حصل مرتين على منح مجانية من الدولة وقرض وعاش مرحلة العصر الذهبي في يوم ما.
إنه واقع تعيس وظلم بين لأجيال الشباب واستعباد لهم وتسخير لصالح جيلٍ عب حتى الثمالة من خير الوطن ثم عاد ليغرس أنيابه في أجساد شبابه ولم يسلم الشباب حتى من انتقاد ذلك الجيل الذي يجعل من تسفيه أحلامهم والتعريض بهممهم فاكهة مجالسه وشغله الشاغل.
أذكر حضوري لمزاد في مدينة الظهران قبل سنتين وعندما بدأ المزاد كان كبار ملاك قد غيروا مسار المزاد وقرروا أن يجعلوه بنظام المزايدة على البلك وليس القطعة ! وأذكر عندما أعلنوا عن نيتهم الإجرامية ماحصل من اضطراب لدى الشباب الحاضرين الذين كانوا يحلمون بالحصول على قطعة أرض ومنهم موظفون في شركة أرامكو التي تعد أقرب منشأة اقتصادية من ذلك الحي.
لن أنسى صدمتهم كانوا واقفين  ببدلاتهم التي اعتادوا عليها وقد ملأت سياراتهم المزينة بشعارات أرامكو المواقف حول خيمة المزاد وقد وقعوا فريسة لدينصورات العقار التي بدأت تزايد على البلكات بتفاهم وتناغم قذرين والمزايدون هم نفسهم الملاك وسيطبقون أسهمهم العقارية ويخرجون بالغنيمة.
أذكر أن من أحيوا حفلة النصب كانوا يصيحون في الميكرفون (لايفوتك ياراعي العقار اشتر وبع على موظفين أرامكو هذي ذهب ماهي أرض)!!! نعم لقد كانت حفلة شواء وقودها موظفي أرامكو الذين عادوا لشراء قطع الأراضي بالسعر الذي فرضه كبار الملاك عليهم.
فقدان الأمل
ربما أعود يوماً للكلام عن الحلول التي لو أرادها الباحث عنها بصدق لوجدها ولكنني مهتم أكثر بالجانب الإنساني، فقد خط الشيب رؤوس الكثير من الشباب ولما يتمكنوا من تملك مسكن أو حتى أرض سكنية بعد، أما الشباب الحديث فلايحلم أصلاً بذلك أحد أصدقائي أخبرني بأنه عدل عن شراء أرض بعد أن فقد الأمل وقرر أن يعيش حياته المؤجلة ويشتري دباب هارلي!
إنه فقدان الأمل عند الشباب وما أدراك مافقدان الأمل؟ ألم يسمع عقلاء البلد بمقولة الحكيم (لا تحرم الآخرين من الأمل فقد يكون هذا كل ما يملكونه)؟ هل يعلم العقلاء إلى ماذا ينتهي فاقد الأمل وأي طريق يسلك؟
هل يعلم عقلاء البلد أن أبناء الطبقات فوق المتوسطة يسكنون اليوم في وحدات مستأجرة صغيرة سيئة التشطيب وبأسعار عالية ويحسون بالكمد فهم على وضعهم ووضع عائلاتهم المالي والوظيفي الجيد يسكنون في وحدات غير مناسبة ولاحظ أنهم قد عايشوا السعة وعرفوها وأن هذه الطبقة تمثل أغلبية مجتمع المدن والتي بدأت وللأسف تتآكل مع الوقت.
هل يعلم عقلاء البلد أن هذه الأسعار بدأت تخنق الأعمال التجارية من جهة إيجار المعارض أو سكن العمال وأنها تقضم دورياً من هامش أرباحها حتى اضطرت الكثير منها للإنتقال أو الإقفال؟ بل أنني وقفت قبل ثلاث سنوات في الرياض على أشخاص يتعمدون إخراج المستأجرين ليرفعوا الإيجارات بشكل خيالي - مع موجة الإرتفاعات حينها – لكي يرفع قيمة العقار ثم يبيعه! إنها عقليات خبيثة مدمرة للإقتصاد الوطني.
ألا يرى عقلاء البلد أن حتى تجارة التجزئة في مجال (السوبر ماركت) تحولت إلى عقار وتأجير للرفوف على شركات الأغذية المحلية ووكلاء الأجنبية لما وجدوا أن هذه الورقة هي الورقة الرابحة في البلد ولاعزاء للسلسلة الاقصادية المرتبطة بهم كاملة ومنها الشباب؟!
هل عجز عقلاء البلد أن يدركوا ما أدركه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أكثر من ألف سنة عندما رفض تقسيم أرض السواد بالعراق على الفاتحين حفاظاً على حق الأجيال القادمة؟!
لا أحد يسمع الصوت
أنا كافرٌ كفراً بواحاً بحكومتنا البائسة ولابسي مشالحها الكئيبين وبجمعيات المجتمع المدني المعطلة وبحناجر المسؤولين والمثقفين ورجال الدين المادحين أو الخائفين المتقوقعين معلقي الأنظار والقلوب ببوصلة الحكومة أينما اتجهت صدحوا، ولاعزاء للمواطن ولانصح لمسؤول!
لذلك فإنني أوجه النداء بعد الله للأب الصادق وقائد السفينة لخادم الحرمين الشريفين الذي لم أجد كمواطن من يتحرك لقضايانا مثله، ياخادم الحرمين كتبت مقالي لمن أعرف ولمن أكثر علي السؤال (كيف ضاقت الوسيعة؟) فأخبرته بما أعرفه بشكل عام وهم يسألوني عن الحلول والحلول عند سموكم الكريم.
ياوالدنا شباب الوطن فقد الأمل في امتلاك مسكنه، ياوالدنا انتصر للشباب وإن كان على حساب كبار ملاك العقار أو المسؤولين أو الوجهاء أو الأمراء أو كائناً من كان فقد تضخمت المشكلة ولا حل لها اليوم إلا بتحرك عام قانوني ونظامي وثقافي.
ياخادم الحرمين أنت أمل الشباب إذا فقدوا الأمل، ياخادم الحرمين ماذا نقول للشباب إذا قالوا أن الدولة عاجزة بالشكل الحالي حتى عن إمداد الجمعيات الخيرية المخصصة للإسكان بالأراضي المناسبة لإقامة مشاريعها ما جعلها تتجه إلى إقراض العائلات الفقيرة المنتجة وغيره من البرامج الخيرية؟!
ياخادم الحرمين عيون الشر تتربص ببلدنا وبشبابنا ولاتترك فرصة لإذكاء الفتنة والشر وإغواء الشباب فهل نتركهم يعيشون غربة في وطنهم ويرتهنهم ملاك العقار عشرات السنين عبيداً لهم.
ياخادم الحرمين يكذب من يقول لك أن هذا العلق ركن من أركان اقتصاد البلد، ويكذب من يضيق على المواطن عيشه ويقول لك أن المواطن يكفيه القليل، ويكذب من يقول لك أن إنصاف الأجيال القادمة من أبنائك أبناء الوطن حرام شرعاً بل الحرام والله كنز المال وتكديسه وجعله دولة بين الأغنياء وابتزاز باقي الشعب.
ياخادم الحرمين إن في شبابك رماح فدع عنك صادي المدي، وفي شعبك ناصحين يتوقون للمشاركة شاورهم في الأمر وستجد عندهم الحلول إن شاء الله.
ياخادم الحرمين تدارك الأمل قبل أن يموت.

هناك 4 تعليقات:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    ماشاء الله عليك هو ذلك بالضبط هو ذلك الذي كنت أشعر بنقصانه الأمل
    فبسبب تلك العوائق التي يراها الشاب المقبل على حياته أعلى من الجبال فهو يفقد الأمل و الطموح فإما أن يختار أن يكون شخصا يعيش على فتات الحياة كشخص عامل غيرمنتج و غير فعال ولو أنه موظف وتجد فيه كل أنوا السلبيه أو أنه كل ما تصل إليه يده يأخذه و لو نهبا متناسيا حرمة ذلك ووقعه على المجتمع
    أو أن يدير ظهره لمجتمعه بالكامل لعدم فهمه لما يحدث و لكن فهمه لما يشعر و ذلك أن المجتمع يطحنه تحت أضراسه بلا رحمة أو شفقة فيتعجب لما يقع عليه من مسلم
    فتنعدم عنده الوطنيه و حب الخير للناس بل ولنفسه
    و ما لا يعيه أحد أن تلك التصرفات الجائرة تتعداهم بكثير و قد تراكمت تأثيراتها و كل يوم يمر عليها إنما هي قشة أخرى على ظهر بعير قد قصم ظهر و رقبته و حتى عصصه
    والله المستعان

    ردحذف
  2. لن يصدر قانون للتعامل مع العقارات في البلد وإن صدر فلن يتم تطبيقه إلا على العامة ممن لا يملك (ظهر) !

    لدينا مزرعة مساحتها تتعدى المليون متر بقليل اشتراها الوالد أمده الله بالصحة عام 1392هـ وكانت تبعد عن العمران أكثر من 15 كيلو متر، كانت بدون صك وكان هدفه أن يحولها لمزرعة منتجه (تمور وفاكهة وخضروات) وفعلاً بدأت المزرعة الانتاج واستمرت على هذا الحال وتم اصدار صك زراعي لها بعد ذلك بـ 5 سنوات وظلت على هذا الحال سنوات طويلة عبارة عن مزرعة منتجة حتى وصلها العمران وتجاوزها.

    عندما جاوزها العمران اصبح يأتي للوالد أمده الله بالصحة من فترة لأخرى عقاريون ووسطاء راغبين بالشراء او التسويق مع عدم وجود رغبة ببيعها من جهتنا حتى أتاه في احد الأيام شخص نافذ في وزارة الشئون البلدية والقروية (نائب امير منطقة حالي) ونقل له رغبة احد هوامير العقار بشرائها وبعد رفض البيع وكثرة النقاش تحول اسلوب الوسيط للتهديد صراحة بأنه (إن لم تبعها لهذا الشخص فلن تبيعها لغيره) وهنا بدأت المعاناة الحقيقية مع الأمانة وبلدياتها ولجان التعديات فيها وتحديداً منذ عام 1415هـ !

    احد الأيام اتى اتصال للوالد (منتصف الليل) من عمال في المزرعة بأن معدات للبلدية ولجنة ازالة التعديات تقوم بهدم ومسح المزرعة وتم هدم ردم خزانات المياة وبرك السقيا وآبار المياة العذبة بالكامل وأعمدة الإنارة وأجهزة الري وأصبحت المزرعة قاعاً صفصفاً ولم يتركوا إلا سكن العمال فيها وتمت مصادرة جميع المولدات الكهربائية (بعضها جديدة لم يتم تركيبها). (والله الذي لا اله الا هو لم ارى هذا الاعتداء على املاك الناس واجتثاث عشرات الالاف من الاشجار المثمرة وهدم ابار المياة العذبة التي تخدمنا وتخدم الآخرين سوى من الصهاينة ضد الفلسطينيين).

    تم تقديم الشكاوى الرسمية فوراً (عام 1415هـ) واعترف العاملون بالمعدات ضد بعض الموظفين في البلدية مع سعي لتحميل موظفين صغار بعضهم متعاقدين المسئولية ونقلهم لمناطق أخرى. بعد سنوات من الأخذ والرد في ديوان المظالم تم تقدير الخسائر بـ 16 مليون ريال من قبل مندوبي الأمانة والبلدية الفرعية ذاتها في ذلك الحين وهيئة النظر، (طبعاً تم التقدير عام 1419هـ بعد 4 سنوات على الاعتداءات و 32 جلسة في ديوان المظالم) وللأسف لم يتم الحكم بإلزام الأمانة بتحمل المبلغ لأسباب نجهلها.

    استمرت المماطلة في الجلسات حتى صدر أمر قضائي مفاجئ في عام 1421هـ بمنع التصرف في الأرض بأي شكل حتى إعادة دراسة القضية (العودة للمربع الأول) بناءً على خطاب من وزارة الشئون البلدية والقروية ولا نعلم صياغته أو مسبباته، وحتى هذه اللحظة لم يتم الحكم بأي تعويض أو حتى إثبات حق، وتجاوزت الجلسات الـ 130 جلسة خلال الـ 17 سنة الماضية وكلما اقتربت القضية من النهاية يتم اعادتها لنقطة الصفر، واشتكينا وبكينا لطوب الأرض ولكن لا مجيب ((((((على جميع المستويات)))))).

    بدأت هنا المرحلة الثانية من الابتزاز حيث اصبح هناك من يأتي بأشخاص نافذين لإدخالهم كشركاء مقابل الإفراج عن الأرض مع التوقيع على اتفاقية بيعها قبل رفع الحضر عليها بسعر يعادل أقل من 20% من قيمتها الحالية (20% من قيمتها حالياً تعادل قيمتها كاملة قبل 17 عاماً).

    لا يزال لدينا أمل بنصر من الله وحده ولا غيره على من ظلمنا وأوغل في ظلمنا وقهرنا طوال الـ 17 سنة الماضية واعتدى على رزق الله الذي آتانا.

    لذلك اخي خالد المالكي ليس كل الأراضي الفضاء بيد أصحابها وليس كلها متروكة من أهلها عمداً بل هناك الكثير ممن عرفنا ممن لديهم قضايا في ديوان المظالم لديهم قضايا مشابهة.

    اعلم أن هناك الكثير من الأراضي المتروكة للاستثمار النائم ولكن اعلم يقيناً أن من يملكون مساحات شاسعة وسط المدن ولديهم حرية التصرف بها دون مضايقة لن ينطبق عليهم أي قانون.

    حسبنا الله ونعم الوكيل.

    ردحذف
  3. مرحباً يابازعي . .
    قصتكم مريرة بالفعل كان الله في عونكم . .
    وقد شاهد أشد منها أمام عيني خذ مثلاً أرض مركز الملك عبدالله المالي قبل أن يتدخل الملك عبدالله ويصحح وضعها . .
    أولاً عليكم بالدعاء والتوسل لأعدل العادلين لعله يكتب لكم فرجاً قريباً واحتسبوا ماتكابدون والله المستعان . .
    أما من جهة تأثير مثل هذه القضايا على هيكلية مشكلة الأراضي اليوم وتوفرها فهي في النهاية مزرعة لاترغبون بتغيير طبيعتها وليست أرضاً فضاءً غير منتجة، ولم أشاهد حسب علمي مثل هذه الحالات إلا بشكل محدود جداً أعني الأراضي الزراعية داخل المدن . .
    أما بالنظر لها كأرض معطلة بسبب الإشكاليات القانونية والنظامية فيمكن ضمها للمخططات المتعثرة (من حيث حجمها وليست طبيعتها).
    وفي كل الأحوال هي حالات محدودة لا أظن أنها تؤثر على التحليل العام.
    أما وزارة الشؤون البلدية والقروية فلطالما كانت جزءً لايتجزأ من المشكلة والله المستعان.

    ردحذف
  4. التعليق السابق حرر من قبلي (خالد المالكي)

    ردحذف