الثلاثاء، 10 أبريل 2012

لا للرسوم


بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة الأراضي الغير مستغلة داخل النطاق العمراني
لا أظن أنه يوجد من لايعلم ماهي مشكلة هذه الأراضي وتأثيرها السلبي على الوضع الاقتصادي العام فقد أشبع الموضوع تحليلاً وتنظيراً من كل من يستطيع الكلام أو الكتابة وتصاعدت القضية بزخم كبير دافعه الأثر المحسوس بشكل مباشر على معايش الناس بكافة فئاتهم.
وقد كتبت بدوري عن المشكلة ورفضت طرح حلول لها إلا بعد دراستها من قبل متخذ القرار ثم يتم تصميم حل مناسب لاتنتج عنه مشاكل أخرى.
أما موضوعي اليوم فهو مشكلة أخرى تتعلق بأحد الحلول المقترحة وارتباطه بالزخم المتصاعد للقضية.
الزخم المتصاعد
السبب المباشر لهذا الزخم هو مشكلة غلاء السكن وارتباطها بشكل أساسي بأسعار الأراضي، ورغم تذمر المواطن منذ سنوات من تباطؤ وتيرة منح الأراضي وقروض الصندوق العقاري إلا أن الغلاء اليوم قد تجاوز كل الحدود حتى بلغ بالمواطن حد اليأس وبدأ يؤثر حتى على أصحاب الأعمال وأضحى الهم اليومي والهاجس السنوي عند تجديد عقود الإيجار.
تحولت شكوى المواطن لقضية ساخنة خاصة مع انفتاح وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتبني عدد من الاعلاميين والنشطاء الاجتماعيين لهذا الموضوع.
هنا أصل بدوري إلى المسألة التي أناقشها في هذا المقال وهي الحل الجاهز الذي يطرح من جموع الناس وهو الرسوم (ضرائب) مدعوماً بهذا الزخم الذي يمثل لي هاجساً بحد ذاته.
كيف يكون الزخم مشكلة؟
عندما تظهر أية مشكلة اجتماعية أو اقتصادية فإن متخذ القرار عادة يتأملها وينظر في الحلول الممكنة لها ثم يضعها على الرف، والسبب في ذلك أنه ينتظر الوقت المناسب لطرح هذه الحلول فالتوقيت المناسب جزء من الحل كما أنه إذا لم يجد مطالبة حقيقية بحل المشكلة فإنه سيترك المشكلة وحلولها على الرف لأنه لايرغب باتخاذ خطوات تضطره إلى التحرك فلكل حركة تكلفة وإن لم تكن التكلفة مالية فهي سياسية.
وبالتالي فإنه عند تصاعد الزخم حول أية مشكلة وبلوغه مرحلة المطلب الشعبي الملح (حقيقياً كان أو مصطنع) فإن التكلفة تنخفض على متخذ القرار وتتحول إلى الجانب الايجابي فمادامت الأكثرية ستؤيد الحل فمن الممكن الضغط على الأقلية المتضررة (في حال وجود متضرر من الحل).
المشكلة في نظري أن هذا الزخم الشعبي الكبير يأتي دون وجود حل متكامل والجموع الهائجة تطالب بحل جاهز هو الرسوم والرسوم في حد ذاتها مغنم كبير لأية حكومة ومغرم جسيم على الاقتصاد مؤوسسات وأفراد ومادة مخدرة قوية لو تعاطاها أي مسؤول في الدولة لأدمنها ونقل عدواها إلى جميع أقرانه، فياليت شعري كيف يضع الناس رقابهم تحت سيف الضرائب قانعين ظانين فيها الفرج؟ بل كيف يتمنى البلاء من سلمه الله منه؟
لعنة الرسوم (الضرائب)
الرسوم ضرب من الضرائب تسمى حيناً ضرائب غير مباشرة وأحياناً تكون مباشرة كما في حالتنا هذه، والضرائب عادة تصمم لتحقيق أهداف اقتصادية شتى إما لتحفيز قطاع معين وتنشيطه أو تحجيم آخر وأحياناً لأغراض تمويلية بحتة لصالح الحكومة ومشاريعها.
والواقع أن الرسوم موجودة ومطبقة في نطاقات محدودة جداً في الاقتصاد السعودي وتأتي بمبرر أنها مقابل خدمة حكومية معينة وأنها لاتغطي تكلفة الخدمة في معظم الأحيان.
في الفقه الإسلامي تعتبر الضرائب بأنواعها من المكوس المحرمة وتكيف على أنها اعتداءٌ على مال المسلم دون وجه حق وظلم بين، أما من أجازها من الفقهاء فقد أجازها بشروط متشددة منها أن تكون لغرض محدد عجز عنه بيت مال المسلمين وأن تكون مؤقتة محدودة بهذا الغرض.
إذاً فأول بلاء في الرسوم أنها محرمة شرعاً وثانيها إدمان الأنظمة الحكومية لها !
الحكومة وإدمان الرسوم (الضرائب)
 من الأمور التي يسعد بها أي مسؤول حكومي تضخيم ميزانية القطاع الذي يتولاه من جهة والتقتير في النفقات من جهة أخرى! وهذه معادلة يعرفها كل مطلع على عقليات المسؤولين الحكوميين الفذة حيث أنهم يحسون بالأهمية بزيادة ميزانية إداراتهم وفي نفس الوقت يتفاخرون بقدرتهم على تخفيض النفقات.
كما أن بيروقراطيي الحكومة يقدسون الحلول الجاهزة التي لايتعبون أنفسهم في ابتكارها وستكون الرسوم هدية لا أظنهم يحلمون بها فهي تمكنهم من السيطرة على المستفيدين من خدماتهم وزيادة إيراداتهم في نفس الوقت.
لو تبنى متخذ القرار حل الرسوم المقترحة على الأراضي مؤيداً بهذا الزخم الشعبي فإنه (في تقديري) سيركب الموجة الشعبية ويستغلها لترسيخ مبدأ الضرائب في كيان المجتمع ثم تكر السبحة فتجد الرسوم أمامك عند مواجهة كل مشكلة.
ستستخدم الرسوم مستقبلاً مثلما يستخدم التعهد اليوم، فقد كان التعهد في يوم من الأيام حلاً بيروقراطياً ألمعياً لمشكلةٍ ما ثم أدمنته المنظومة الإدارية، واليوم صار الحل إجراءات والتزامات في معاملة كل مواطن حتى وصلنا إلى مرحلة يندر معها إنجاز معاملة حكومية دون توقيع عدد من التعهدات !
ومن العجيب أن بعض الجهات الحكومية استبقت كل ذلك وكانت تفرض رسوماً بقرارات إدارية غير ملزمة نظاماً للمواطن حيث أنها لاتستند إلى مستند نظامي، ورغم ذلك فقد كانت تجبي هذه الرسوم حتى يرفض أحد المواطنين أو ترتفع المسألة لجهات إدارية أعلى فتنتهي المسألة بأن يتم لفت نظر الإدارة الفارضة للرسوم بعدم نظامية الإجراء نفسه !
فهل نرغب فعلاً في فتح الباب لأحبابنا البيروقراطيين ليلتهموننا أحياءً معززين بقوة النظام وسابقة رسوم الأراضي وكسر الحاجز الشرعي والشعبي من خلال الزخم الهادر؟
ماذا عن الزكاة؟
جباية الزكاة على الأراضي المخططة أو غير المخططة الواقعة داخل النطاق العمراني أو خارجه مسألة شرعية قد أبدت جهة الفتوى الرأي الشرعي فيها والقضايا الشرعية إذا كانت ثابتة فلانقاش حولها إنما يلزم متلقيها السمع والطاعة والعمل بمقتضاها.
ولعل الزخم الشعبي يوجه للمطالبة بحل شامل مدروس يتضمن البدء بتطبيق زكاة الأموال الظاهرة على هذه الأراضي بعد تحديد الضوابط لهذه المسألة والله المستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق