الأربعاء، 11 أبريل 2012

الخلاف السعودي الأمريكي حول سوريا


بسم الله الرحيم الرحيم
الوضع السوري
مازالت سوريا ترزح تحت وطأة جبروت نظامها المجرم، كل مدينة أو قرية تتحرك فيها المطالب شعبية تغزوها قطعان الشبيحة وإذا حاول المواطنون الدفاع عن أنفسهم غزتهم دبابات الجيش ومدفعيته وسحقت التحرك.
في سوريا اليوم تواجه الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات السلمية بالجيش، والنظام الذي ولغ في الدماء مازال يتخبط فيها ويمني النفس بالاستمرار في حكم البلد مخدراً بحالة من السكر والانفصال عن الواقع نموذجية ومسجلة باسم الأنظمة الديكتاتورية.
من جهة أخرى لم تبلغ المعارضة السورية حتى الآن مرحلة النضج والقوة المأمولين منها ولن أدخل هنا في الأسباب لكنني أعرض الواقع، كما أنها بدأت تعاني تشظيات قبل حتى أن تبدأ عملها السياسي، أما الجيش الحر فهو الآخر لم يبلغ العدد المتوقع ولم يحصل حتى الآن على السلاح اللازم بل أنه بدأت تظهر فصائل مقاتلة أخرى منافسة له.
أما الشعب السوري فيبدوا أن القمع الوحشي قد مزق الثورة ويحاول شرذمتها فمازالت دمشق هادئة في الغالب وريفها تحت السيطرة وحلب لم تتحرك على النحو المأمول أما حمص وحماه ومناطق الأطراف يتم تهدئتها بشكل وحشي عند أي حراك بينما الحل يكمن في ثورة شاملة عارمة متضامنة وحتى الآن لم تصل الثورة إلى هذا الحد والسبب الإجرام الأمني.
ماذا تريد أمريكا؟
يتعجب المتابع اليوم من ضعف الموقف الأمريكي والعجز الدولي أمام النظام السوري، فمن خلال خبرتنا بالصلف الأمريكي فإننا نعلم أن أمريكا شنت حروباً منفردة وفرضت قيوداً دولية واستصدرت قرارات أممية دون انتظار أحد بل أنها تجر العالم كله خلفها حيث تريد، إذاً أين هذه الفاعلية من الوضع السوري؟
تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية تقول أن الوقت لم يحن بعد ! ولا أعلم ما الذي يمنع من فرض حظر جوي مثلاً إلا أن أمريكا ليست مستعدة حتى لخوض معركة دبلوماسية من أجل هذا القرار، كما أنها لم تتفان لدعم الثوار السوريين إلكترونياً كما فعلت مع ثورات أخرى، وتصريحاتها ليست في مستوى الحدث.
والعجيب أن الدول الأخرى تدور مع أمريكا في نفس الدائرة فهي إما رافضة أو صامتة ولكنها في النهاية لاتفعل شيئاً، حتى الجار التركي الذي كان يتوقع منه الكثير خاصة بعد الجعجعة التي أطلقها لم يكلف نفسه بإنشاء منطقة عازلة محمية داخل حدوده لتوفير منطقة آمنة للمدنيين أو الجيش الحر.
التفسير الوحيد لكل ذلك يكمن في أن أمريكا لاتريد التدخل لإسقاط النظام الآن وأعذارها جاهزة طبعاً فتارة تحتج بأن المعارضة السورية ليست ناضجة، فهل كانت المعارضة الليبية ناضجة؟
وتارة تحتج بالخوف من مآلات السلاح إذا ما استخدمه الجيش الحر اليوم في القضاء على النظام فأين سيذهب غداً، والرد أن الجيش الحر سيحصل على سلاح الجيش السوري نفسه لو أسقط النظام فهل يعني هذا أن تتوقف الثورة؟ كما أننا نقول وأين ذهب سلاح الثوار الليبيين؟ وهل عرفت أمريكا مآلاته قبل وصوله لهم؟
والحجة السخيفة الأخرى أن أمريكا تخشى من حرب أهلية في سوريا، وأعتقد أن ماتفعله أمريكا يعزز هذا الاحتمال ولاينفيه.
إذاً إلى أين تريد أمريكا أن تصل بسوريا؟ إن النهاية الطبيعية لاستمرار الوضع الحالي في سوريا وهو مرشح للاستمرار فترة تعتمد على طول نفس الثوار حيث أن النظام مايزال قوياً ومادامت الثورة لم تصل إلى المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية والجيش مايزال أداة طيعة في يد النظام والمجتمع الدولي لم يجد توجهاً قوياً من أمريكا ليسير في ركابها فسيستمر الحال القائم فترة طويلة.
من شأن هذه الفترة أن تعمق الجروح وتعزز الطائفية وتضعف النظام وتفكك المجتمع وتجعل البلد جاهزاً لأن يدخل في نفق النزاع الأهلي بعد أن يتم شحنه بالثأر ويعتاد رائحة البارود وأصوات المدافع.
ستسمر القوى الإقليمية في دعم الثوار وتزيد قوتهم وتسليحهم وتصبح المقاومة أشد شراسة وأكثر احترافية وتبدأ العمليات النوعية بدخول الخبراء المتسللين عبر الحدود ووصولهم إلى الثوار، كما سيستمر أصدقاء النظام في مده بالسلاح والدعم.
سيتم إنهاك البلد تماماً وبعدها تقطيع أوصاله بالممرات الآمنة ليتم خلق واقع جغرافي بحدود واضحه ثم لتدخل سوريا في دوامة الضياع . . هل تذكرون لبنان عندما دخل نفس الدوامة؟ كان العدو الصهيوني حينها في أمان بحراسة لبنانية!
لايريد العرب رؤية قوات أجنبية مرة أخرى داخل حدودهم فغزو العراق يكفيهم لقرون ولكن هل يريدون عراق أخرى بنكهة لبنانية وبدون الوجود الأجنبي؟
ماذا تريد السعودية؟
تدرك المملكة العربية السعودية جيداً الخطر المحدق بسوريا والمنطقة وهي مدركة لقذارة اللعبة الأمريكية الهادفة لإنهاك العرب من جهة وتطويق الخليج وإذلاله من جهة أخرى، والسعودية كدولة ملكية تقليدية فهي غير راغبة أبداً في تغيير خرائط المنطقة والعبث بأمنها وهي مستعدة لفعل المستحيل للحفاظ على استقرارها ووضع التوتر في حده الأدنى.
أعتقد أن المملكة كانت تفضل بقاء النظام السوري شريطة أن يعدل من سلوكه التصادمي مع الدول العربية ومع شعبه بينما بإمكانه الاستمرار في لعب دور المقاوم والممانع لأمريكا ولكن دون الإضرار بالمصالح السعودية ولكن يبدوا أن هذه اللعبة التي أتقنها الهالك حافظ الأسد أكبر من قدرات الغر بشار.
ومع تغول النظام السوري وإصابته بعدم الاتزان وسلوكه طريق الدمار كان أمام السعودية خيارين إما الاستسلام للخطة الأمريكية أو مقاومتها كما حصل في البحرين.
ربما يبدو الموقف السعودي متماهياً مع الموقف الأمريكي في إدانة النظام السوري والمطالبة بحقوق الشعب السوري، ولكن الحقيقة أن السعودية تريد إنهاءً سريعاً وحاسماً للنظام قبل تعزيز خيار الحرب وحمل السلاح عند المواطن العادي الأمر الذي ربما ينتهي بسوريا بعد سقوط نظامها إلى وضع بين الوضعين العراقي واللبناني.
المشكلة أن السعودية لاتملك الأدوات الكافية لتطبيق رؤيتها وهي تحاول جاهدة لحشد التأييد العالمي للتحرك نحو حل سريع ومازال المتابع العادي والمتخصص مذهولين من موقف المملكة التي لم نعتد منها هذه المواقف القاسية فهي تحاول دائماً استخدام القوة الناعمة والوكلاء لتنفيذ رغباتها دون إثارة حول اسمها، ولكن يبدو أن القضية اليوم قضية مصيرية والمملكة غير مستعدة للوقوف متفرجة على العبث الأمريكي.
ماذا في الأفق؟
أتمنى شخصياً أن تتمكن المملكة ودول الخليج من الدفع باتجاه الحل السعودي ولا أظن أن هدية الدرع الصاروخي المقدمة لأمريكا ستكفيها للدفع باتجاه الإسراع في إسقاط النظام السوري مع الحفاظ على وحدة البلد، بإمكان أمريكا قلب أية معادلة وهي قادرة حتى على إسكات الروس بتحريك الاضطرابات الروسية مرة أخرى بدعم المعارضة الروسية، ولايمكن الحصول على تحرك أممي دون أمريكا وما حال ليبيا عنا ببعيد حيث عجزت أوروبا عن المضي قدماً في حربها ضد القذافي ودعم الثورة دون المساعدة الأمريكية.
للأسف هذه حقيقة الوضع . . والظاهر حتى الآن أن أمريكا لاترغب في ذلك، لذلك فإنه على العرب والشعب السوري إيجاد الحل بعيداً عن أمريكا . . وكان الله في عون الشعب السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق