الجمعة، 7 أكتوبر 2011

لايوجد حل واحد لمشكلة الأراضي

                  بسم الله الرحمن الرحيم

كتبت يوماً عن أسباب المشكلة وكيف بدأت وأعتقد أن علينا كأصحاب رأي الحديث حول المشكلة وأسبابها أكثر من طرح الحلول، ورغم أن طرح الحلول قد يفيد في تجميع الأفكار والاستفادة منها من قبل صاحب القرار إلا أن الحل يبقى بيده وكل كلام يقال حول الحلول لن يكون له قيمة إذا لم يتحرك صاحب القرار.
ومع ذلك فالناس تسأل دائماً عن الحل فقط ولاتهتم بتشريح المشكلة لأنهم يرون نتائجها وينتظرون الخلاص فيتساءلون دائماً ماهو الحل؟
لايوجد حل
عندما تنمو المشاكل الاقتصادية وتتسبب في تشويه المشهد الاقتصادي بل وتعطيل الاقتصاد أحياناً أو توجيهه في اتجاه خاطيء وخلق سلسلة من التفاعلات السيئة التأثير فإنه لايمكن حل هذه المشاكل بقرار واحد.
إن الحلول في مثل هذه الحالات تحتاج إلى تصميم وهندسة متكاملة بحيث نصل إلى النتائج المرجوة دون زيادة مشاكل الاقتصاد، فمن المسلم به عند الاقتصاديين أنك تستطيع دائماً طرح حلول سريعة لكنها إن لم تكن ضمن حزمة إجراءات فإنها ربما تتجه بك إلى عكس النتيجة المرجوة.
كما أن بيئات الأعمال قادرة دائماً على العبث بأية قرارات وتعطيلها والالتفاف عليها طالما لم تعضد بحزمة من الإجراءات والأنظمة، والتي توضع بدورها بعد دراسة متأنية.
صحاب القرار
عندما نتكلم تحديداً عن مشكلة الأراضي والحلول المأمولة فإننا لابد أن نتطلع نحو صاحب القرار في هذه المسألة والقرار عندنا إما أن يكون عن طريق الأجهزة الحكومية التقليدية أو عن طريق رأس الهرم مباشرة، ولنتأمل قليلاً في هذين الطريقين.
أولاً: الأجهزة الحكومية
الحقيقة أن هذه الأجهزة ترزح تحت ضغط بيروقراطيتها المعتادة وهي غير قادرة على تسيير أمورها الإدارية بشكل أكثر فعالية فضلاً عن تتبع احتياجات المواطن وطرح الحلول وتنفيذها.
كما أن هذه الأجهزة تمثل دائماً دور الممانعة أمام أي قرارات فيها توسعة على المواطن بحجة توسع الصرف وعدم توفر الكادر ولاتكلف نفسها البحث عن حلول بديلة أقل تكلفة، بل أنها قد وصلت إلى مرحلة تأخير القرارات الملكية العاجلة ولوكها داخل أروقتها لتعيدها لنا بعد أن تسلب فرحة المواطن بها ثم تصدمه بسلب مضمونها وتحويلها إلى إجراء بيروقراطي آخر يزيد معاناة المواطن.
لا أثق أبداً في هذه الأجهزة ولا أنتظر منها أية حلول وإن كنت لا أغمط حق بعض فروعها في العمل على تحسين خدماتها عند وجود ضغوط كبيرة من القيادة أو من المواطنين والصحافة ووجود إداريين منفتحي التفكير سرعان ماتفقدهم الجهات الحكومية لاختلاف نوعية تفكيرهم الإبداعي عن بيروقراطية الشلل المزمن.
ثانياً: رأس الهرم
يتمثل رأس الهرم في خادم الحرمين الشريفين والديوان ومن يختارهم لإنجاز أعماله المستعجلة، وهذه المؤسسة – إن صح وصفها بالمؤسسة – هي أكثر فعالية وقادرة على إعادة صياغة مستقبل البلد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل حتى الديني، وفي اعتقادي أنها تعمل بشكل جيد وسريع وفعال عند توفر الإرادة، وهي قادرة على مواجهة أي تحديات من الممكن ظهورها أمام أي قرار مدعمة في ذلك بالنظرة الشعبية والدينية المتمثلة في أدبيات السمع والطاعة لولي الأمر.
وإن كانت هذه المؤسسة في النهاية مؤسسة قرار وليست مؤسسةً تنفيذية وبالتالي فلابد من العودة إلى مربع الحكومة ولكن عند اتخاذ القرار فإن الحكومة وقتها ستكون منفذاً فقط وإن كان ذلك ببطء ولكن المهم أن يصدر القرار.
أرى تحت الرماد وميض جمر
مادام التوجه إلى رأس الهرم مباشرة أجدى وأنفع فإنه لابد من تكثيف الجهود لإيصال صورة واضحة لخادم الحرمين الشريفين للبدء بدراسة الوضع وتصميم الحل المتكامل، لقد كتبت حتى الآن مئات الصفحات واليوم بدأت تظهر أفلام تشتكي الوضع وماعلى الشخص إلا البحث في الموضوع ليجد عدداً مهولاً من المقالات والتعليقات والأفكار وكل ماعلى صانع القرار هو إعادة الأمل بتبني المشكلة.
المشكلة في نمو وبدأت بالتأثير سلباً على جميع مناحي الحياة في البلد وأخص منها نفسيات الشباب الذين بدأوا يوصفون المشكلة بأنها انحياز إلى أصحاب المصالح لبقاء الوضع على ماهو عليه بل وتفاقمه، وربما يصلون إلى نتائج أخرى أكثر سوداوية حتى لو لم يكن لها سند من منطق أو واقع ولابد من إيقاف هذا الإحباط وإعادة الأمل إلى نفوس الشباب.
إذا كان هنالك انحياز فلابد أن يكون للشباب والأكثرية، والتوجه إلى تصميم مستقبل منحاز إليهم هو عين العدالة فمن غير المعقول استمرار وضع خاطيء نشأ عن ظروف تاريخية بحجة أنه أمر واقع فالأمر الواقع لمن أراد رؤيته هو ملايين الشباب المحبط.
ولعلي أترنم هنا ببيت لرجل حكيم قال يوماً:
أرى تحت الرماد وميض جمر          ويوشك أن يكون له ضرام
المعلومة الصحيحة = الإجراء الصحيح
لايمكن لأي جهة أن تبدأ في تصميم الحلول والإجراءات السليمة لهذه المشكلة إلا بتوفر المعلومات المناسبة والدقيقة حولها، وهنا نجد أن التعداد قد جمع كماً كبيراً من المعلومات حول حجم المشكلة ولكن عند النظر إلى الآليات التنفيذية لحل مشكلة الأراضي فإن هذه المعلومات محدودة الفائدة.
وبالتالي فإن معالجة المشكلة تحتاج إلى معلومات دقيقة حول حجم الأراضي والصكوك المصدرة وماتمت الاستفادة منه من عدمه وكيفية تملك هذه الأرض (شراء مباشر، هبة، منحة) وتاريخ شرائها . . إلخ
المشروع الوطني لتسجيل العقار
إن الخطوة العملية الأولى لتكوين قاعدة من المعلومات الدقيقة هي في تجميع المعلومات العقارية كاملة في إهاب واحد وحفظها بشكل إلكتروني قابل للتحديث المستمر وتجميع جهود الأمانات المبذولة في هذا الاتجاه.
فكما أن الأمانات تقوم بحصر العقارات وأنواعها بشكل دائم فلابد من حصر الأراضي وتوثيق ملكيتها عبر إطلاق مشروعٍ وطنيٍ لتسجيل العقار يعمل على توثيق كامل المعلومات الخاصة بالأراضي، وأعتقد أن مجرد الإعلان عن هذا المشروع من شأنه خفض أسعار الأراضي لأنه سيعطي مؤشراً للأسواق أن صانع القرار ينوي التدخل لحل المشكلة.
إن الإعلان عن مشروع من هذا النوع وتحديده بمدة زمنية يتم خلالها مراجعة مراكز توثيق يتم إنشاؤها في المحاكم لتسجيل الصكوك إلكترونياً تحت رقم السجل المدني للمالك سيضع أمام صانع القرار المعلومة بشكلها الحقيقي (القبيح) ويمكنه بعد تحليل البيانات التوجيه بتصميم الحل المناسب.
بإمكاننا الإنتظار لحل المشكلة ياحكماء البلاد ولكن أرونا أنكم تريدون ذلك.

الخميس، 9 يونيو 2011

كيف ضاقت الوسيعة؟

بسم الله وحده والصلاة على من لانبي بعده . . أما بعد
لوتكلمت بنبؤة لطلبت قصب السبق ولو بحت بسر لجاهرت بالمعرفة ولكنني سأتكلم بماتعلمون وجل ما سأفعله أن أنظمه في نسق واحد، لست بحلال المشاكل ولاعلامة الزمان، أنا رجل منكم يريد أن يبوح ويريد أن تشاركوه الهم لعل الله يكتب لنا الفرج.
سيقرأ المقالة أناس من أعمار مختلفة وخلفيات متباينة ولكن سيتفق الغالبية معي بوجود مشكلة وربما اختلف البعض وأقول لمن يختلف معي حول وجود مشكلة إصبر حتى نهاية المقال ثم قرر موقفك.
العصر الذهبي
كان ياما كان في قديم الزمان دولة ناشئة حديثة تتأجج بالأمل وتتطلع للأمام برغم كل مشاكلها وحداثة سنها وقلة مواردها ولكن أملها في الله كبير جداً ولم يخيب الله الظن . . إنه الأمل يا إخواني الأمل.
بدأت الأرزاق تتدفق وانفتحت خيرات الأرض وعاشت البلاد ربيعها وكان للأرض قصتها فقد كانت إما:
1-   مناطق القبائل الحاضرة. وهي مناطق مملوكة بالكامل للقبائل القاطنة فيها تستصلح منها ماتراه مناسباً وتتخذ من الجبال محميات للرعي وتديرها بدقة عجيبة فترعى جزءً وتحمي آخر ثم تبدل بينها ولها أعرافها وقوانينها. وهذه الأراضي مقسمة تماماً بين القبائل ولاتجد شبراً واحداً دون مالك.
2-   المدن والحواضر. تتمركز عادة حول قلب البلدة أو المدينة ولها أطراف هي لمن أحياها أو ابتنى فيها ثم لها ضواحٍ زراعية وأرياف ينطبق عليها ماينطبق على أراضي القبائل، وفي بعض هذه الحواضر كانت حتى أطراف المدن مملوكة ومقسمة مسبقاً كوديان ومحميات لبعض القبائل أو الأسر العريقة.
3-   مناطق القبائل البدوية. وهي مناطق مفتوحة ورغم معرفة كل قبيلة لمناطقها ومراعيها إلا أن الأمر بشكل عام واسع فلم تكن للأرض أهمية خاصة وإنما الأهمية للمراعي وآبار المياه ومافي حكمها. وكثيراً مايحصل التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في مناطق نفوذ هذه القبائل.
4-   كانت هنالك بعض الملكيات الإقطاعية القديمة العائدة لعهد الدولة العثمانية والتي أخذت ظلماً وعنوةً من أهلها في بعض المناطق في حالات محدودة مثل القطيف والأحساء وهذه تصرف معها الملك عبدالعزيز رحمه الله بإعادة الحقوق المسلوبة إلى أهلها وبقيت بعض الملكيات الكبيرة ولكنها أخذت حكم ماحولها من الأملاك دون سخرة أو استعباد للبشر.
أما باقي الأراضي فكانت خلاءً مفتوحاً للشمس والهواء والسيارة، ومعها الشواطيء البكر التي لم تضق يوماً بصياد أو تاجر أو عابر سبيل.
حتى الآن ماتزال القصة جميلة ولايوجد مشاكل من أراد أن يختط أرضاً ويبني بيتاً فأرض الله واسعة وإحياء الموات مطلوب فتوسعت المدن وازدهرت وكثر الناس والمعايش، بل أن الدولة سعت في توطين البادية وإنشاء الحواضر.
جاءت مرحلة النفط وجاء الخير وابتدأت الدولة في تخطيط المدن وإنشاء الأحياء وتوزيع المنح للمواطنين وإعطاء القروض للبناء حتى أنه جاء وقت تصرف القروض للرجل والمرأة، هذا مع استمرار النمط القديم عند البعض في سكن مايسمى بالأحياء العشوائية الآن فكان الرجل يختار الأرض الخالية في الحي ويستأذن جيرانه ويبني له داراً بسيطة تلم شتات عائلته وتقيه الشمس والمطر.
أليس هذا بعصر ذهبي؟ . . عند الشيوعيين كان العصر الذهبي هو عصر المشاعية الأولى المفترض، ولكن حتى أحلام الشيوعيين لم تصل إلى هذه الدرجة . . أن يعطى المواطن والمواطنة أرضاً ومالاً لبنائها ! . . هل أزيدكم؟
لقد كان المواطن يقدم في أكثر من مدينة وفي كل مدينة كان يعطى أرض منحة! إنه عصر المواطن الذهبي بكل تأكيد.
هذا عن الحيازات الصغيرة المعدة للبناء فماذا عن الحيازات الكبيرة؟
الحيازات الكبيرة المستحدثة في تلك الفترة كانت على أنواع:
1-   ماحازه شيوخ القبائل الحاضرة. وذلك عن تراضٍ داخل القبيلة وربما استخدم الشيخ سلطته لزيادة حجم الحيازة ولكنه يبقى ضمن إطار التوافق العام. والغالب محدودية هذه الحالات بسبب تعنت أبناء القبائل في السماح لشيخوهم بحيازة مساحات كبيرة من أرض القبيلة لأن ذلك سيؤثر على نصيبهم منها فيما بعد.
2-   ماحازه شيوخ القبائل البدوية من مساحات واسعة في مناطق الهجر المستحدثة وكان ذلك من باب إحياء الموات.
3-   النطاقات العمرانية حول المدن والتي بذلتها الدولة لكل من شاء مقابل مبالغ رمزية على أمل أن يقوم المالك الجديد بتخطيطها وبيعها على المواطنين وكان ذلك في إطار رغبة الدولة في التأسيس لصناعة عقارية تقوم بأعباء المرحلة.
4-   التملك عن طريق إحياء الموات وكان ذلك يتم بأن يسور المواطن أرضاً في الخلاء بعيداً عن المدن ونطاقاتها ويزرع بعضها بقليل نخل يصمد حتى يراه مفتش وزارة الزراعة ويعطيه الإذن بالتملك.
5-   المنح المباشرة وهي عادة تصرف عن طريق الديوان الملكي وتختص بالأمراء والوجهاء وبعض المواطنين من ذوي الحظوة.
حتى الآن مايزال الأمر في سياق المرحلة ولم يكن هنالك شديد ولع بالأراضي بل أن مالك الأرض لم يعتبرها رأس مال في حد ذاتها إن لم تكن زراعية جيدة، ومالك الأرض السكنية الخام لم يكن يتحمس كثيراً لتحويلها إلى مخطط بسبب التكاليف وضعف الإقبال.
الطفرة الأولى
لا أود الخوض في بيانات ومعلومات وتحليلات اقتصادية لمرحلة الطفرة العقارية الأولى وكيف بدأت فالموضوع قتل بحثاً ولكنني أعرج سريعاً من أجل القاريء الشاب خاصة - أما نحن فقد هرمنا وسبق أن عشنا أجزاءً من المرحلة – ليقارن الليلة بالبارحة.
حدثت في الأعوام من 1394هـ وحتى 1405هـ، الموفقة 1974م إلى 1985م. زيادات كبيرة في أسعار النفط وبالتالي دخل المملكة وإنفاق الحكومة، انعكست هذه الزيادات في مشاريع تنموية طموحة وإنفاق مباشر لجيوب المواطنين وزيادات في المعاشات ومدن جديدة وقواعد عسكرية ووظائف بالجملة وإنشاء الصناديق وبذل القروض، وللتجار والمقاولين مثل ذلك وزيادة فقد تصدرت الحكومة لدعم كل نشاط اقتصادي ممكن فالطموحات كبيرة والاقتصاد المحلي بدائي وضعيف.
لقد كان الاقتصاد ضعيفاً وبدائياً في كل قطاعاته حتى القطاع البنكي وقد كان كبار التجار وقتها يخصون البنوك الخارجية بودائعهم الضخمة وتعاملاتهم الكبيرة لأن بنوكنا لم تكن بعد على القدر الكافي من الاحترافية ولا المصداقية لخدمة المرحلة (لاحظ التشابه مع الفارق مع وضع بنوكنا المحلية اليوم).
وقد اضطرت الدولة للتدخل في كل نشاط لتحفيزه بل واستثمرت في النشاطات الكبيرة التي أحجم عنها التجار التقليديون ومن ضمن هذه الأنشطة العقار.
لكل مدينة من مدن المملكة قصتها ونموذجها الخاص مع الطفرة ولكنها اشتركت في الشكل العام وهو ارتفاع أسعار الأراضي أضعاف مضاعفة ونشؤ طبقات جديدة من الملاك والمخططين (أو مايسمى المطورين وهم يسمون أنفسهم المسهمين أي من يحولون الأراضي إلى أسهم عقارية) والسماسرة والحقيقة أن كل السلسلة كانت عبارة عن سماسرة ولكنهم يختلفون في الرتب وكانت هذه المرحلة تتميز بالجنون التام فقد وصلت في فترة الزخم أن يتم تداول السهم العقاري خمس مرات وأكثر في اليوم الواحد وربما تضاعفت قيمته مرات في نفس اليوم !
الصدمة
انخفضت فجأةً أسعار النفط وانخفض دخل المملكة وبالتالي الإنفاق الحكومي وفقدت الطفرة الزخم ودخلت السوق مرحلة الصدمة.
لم يصدق العقاريون أن اللعبة توقفت وهذا عائد بالطبع إلى الاندفاع بروح القطيع المتفائلة وانعدام الخبرة في الأسواق فإذا كانت الدولة نفسها جديدة فما بالك بأسواقها المستحدثة؟ . .
وهنا تتدخل الحكومة وبقوة لتعويض خسائر العقاريين من ضمن قطاعات أخرى في الاقتصاد ويبدأ التغير في الوضع العقاري وهدوء البيع والشراء والمساهمات العقارية ولكن القطاع العقاري يبقى حياً بسبب الأعمال التي استقرت وصندوق التنمية العقارية قبل تباطؤ عجلته.
مشكلة الطفرة أنها خلفت فكراً خاطئاً ونظرة مشوهة للعقار من قبل تجاره خاصة أن توقف الطفرة لم يتسبب في انهيار العقار تماماً بسبب الطلب الحقيقي الذي ظل مستمراً رغم توقف طلب المضاربات العقارية وهنا تنشأ الأفكار العقارية العتيدة مثل (العقار يمرض ولكن لايموت) وإن كان البعض يتندر بهذه العبارة على العقاريين ولكن من أدرك شيوخ العقار وأساطينه علم أنها عقيدة قد انعقدت قلوبهم عليها وهي مبنية على ملاحظة صحيحة أفرزها واقع خاطيء.
من العجيب أن بعض تجار العقار وإمعاناً في فهمه العجيب للسوق بقي مصراً على أسعار الطفرة طوال عشرين سنة بعد توقفها ! . . تخيل أن يبقى مصراً على أسعار الطفرة رغم أنه طرأ على المنطقة حرب الخليج الثانية والعديد من الأزمات فقد العقار جاذبيته في مراحل منها ومع ذلك يستمر في عرض أراضيه بأسعار الطفرة لعشرين عاماً متجاهلاً تطور الاقتصاد ونشؤ الشركات الكبيرة واتساع دائرة الاستثمار (بالنسبة لأيام الطفرة) بل أنه حتى لم يكلف نفسه بتقديم فائدة للمجتمع ببناء أراضيه فكل مايطلبه أسعار الطفرة ! والصبر حرفته فقد حقق أثناء طفرته الأثيرة إليه من الأموال مايمكنه من الدخول في مرحلة بيات طويل.
إن فهم هذه العقليات مهم لإدراك مانواجهه اليوم في عالم ملاك العقار من دينصورات العقار التي لم تنقرض ولم ينقرض فكرها وبقيت رابضة على هذا المورد الوفير حتى حولته إلى مورد شحيح.
الحقيقة أن تحليل العقلية الاستثمارية التقليدية لكبار ملاك العقار مطلب مهم ولولا خشية الإطالة لفصلت فيها ليعلم القاريء أننا نواجه شخصيات وعقليات هي أقرب إلى أبي الهول فلا منطق ولا معرفة، توقفت أفهامهم عند مرحلة زمنية ماضية نصبوا لها سرادقات التصبر وعالجوا طول الزمن بالانتظار وعطلوا معهم ثرواتهم كل ذلك في انتظار ساعة الانتقام من المجتمع ليقتصوا لربع قرن قضوه في الانتظار، ورغم أنهم مازالوا على رأس أعمالهم ويجنون أرباحاً جيدة إلا أنهم يريدون الانتقام من الزمن والبلد بما فيه ومن فيه (نحن طبعاً مادة الانتقام).
اعلم أيها القاريء العزيز أن هذه النوعيات من البشر خطر كبير على الوطن ولابد من علاجها بشكل جذري وقطع دابرها فرغم تطور القطاع العقاري اليوم إلا أن مثل هذا المنطق العقيم مازال يسيطر على أقطابه أقول ذلك لنكون مستعدين لأقسى الحلول من أجل الصالح العام.
المرحلة المعاصرة
الوضع المعاصر للقطاع العقاري وضع غير طبيعي لعدة أسباب فهو بشكل عام يمثل طفرة جديدة ولكن هذه المرة يدعمها طلب قوي على النحو الآتي:
1-    الطلب الحقيقي للمساكن الناشيء عن الانفجار السكاني والتركيبة العمرية للمجتمع.
2-    الطلب المتنامي بقوة للقطاع التجاري وقطاع الأعمال.
3-    الطلب الاستثماري على المديين المتوسط والطويل. من خلال حبس الأرض وانتظار زيادات أكبر في الأسعار.
4-   الطلب الناتج عن توسع الانفاق الحكومي وبلوغه أرقاماً قياسية في كل مرة خلال السنوات الماضية وماينتج عن هذا الانفاق من أنواع متعددة من الطلب على العقار بكل أنواعه حتى الأراضي الخام.
المشكلة الحالية هي أنه ورغم وجود كل هذا الطلب القوي على الأراضي إلا أن الأراضي المعروضة للبيع غير متوفرة بشكل كافٍ هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الدولة لم تعد تحتكم على أراض مناسبة لتخصيصها لمشاريعها فضلاً عن منحها للموطنين لتخفيف حدة الطلب وكانت النتيجة الطبيعية هي مانكابده حالياً من غلاء مضطرد في أسعار الأراضي.
لايستطيع الكثير من الناس اليوم فهم الوضع الحالي ويتساءلون عن شح الأراضي في بلد تحيط الصحراء بكل مدنه وهنا لابد من بعض التفصيل.
أين الأراضي؟
أولاً: هنالك حقيقة صادمة وهي أن الكثير من الأراضي المخططة والجاهزة للاستثمار السكني والتجاري والمبثوثة في الأحياء (تقل في الداخلية وتزداد مع توجهنا للأطراف) قد تم استغلال الكثير منها بالفعل خلال الخمس سنوات الماضية مع تزايد الوتيرة خلال العامين الأخيرين، وما تبقى منها مرتبط بملاكها الذين يحافظون عليها كمخزن للقيمة وملجأ لأموالهم الفائضة حيث يتساءل بعض ملاكها ماذا سأفعل بقيمتها إن بعتها؟ . . والحقيقة أن ملك الموت قد ساهم بشكل كبير في إعادة هذه الأراضي إلى السوق بشكل فعال من خلال الورثة الذين أعادوها إلى طبيعتها كسلعة بدل أن تكون مخزناً للقيمة.
ثانياً: حيازات غير مخططة داخل النطاقات العمرانية وتكون في الغالب أراضٍ مملوكة للبلدية يتم تطبيق منح الأمراء أو بعض المتنفذين عليها. وهنا لابد من الإشارة إلى حقيقة غائبة وهي أن معظم الأمراء الذين يتهمون بتعطيل الأراضي داخل النطاقات العمرانية هم في الحقيقة أفضل من ملاك العقار الكبار، فالأمراء عادة يقومون ببيع الأراضي الداخلة ضمن النطاقات العمرانية بمجرد تطبيق أوامر منحهم عليها حيث أنهم يتعاملون معها كوسيلة لتحسين أوضاعهم، بل انهم يبيعونها أحياناً وهي ماتزال أوامر دون تطبيق فيتلقفها سماسرة العقار ليطبقوها هم على أراضي البلدية مستغلين أسماء الأمراء طبعاً.
ورغم أن هذا النوع من التعاملات يحدث خللاً في السوق وتشويهاً للمدن وخنقاً لها بسبب ضياع أراضٍ مخصصة للبلدية وتحولها إلى غير ماخصصت له إلا أنه يحسب للأمراء تصرفهم السريع فيها ودفعها للسوق ولكنها للأسف كثيراً ماتقع في يد من يكنزها تحت الشمس فهي كما يقول لاتأكل ولاتشرب.
ثالثاً: أطراف المدن والضواحي. وهذه هي التي تمثل الحل المفترض من الناحية النظرية ولكنها من الناحية الفعلية جزء من المشكلة.
إعلم عزيزي القاريء أن ماتراه من برارٍ شاسعة عن يمينك وعن شمالك وأنت مسافر مثلاً من الدمام إلى الرياض قاطعاً حوالي ثلاثمائة وتسعين كيلومتراً هي عبارة عن أملاك متنوعة منها الخاصة ومنها العامة أي أن توسع المدن وتملك العباد خلال المائة عام القادمة بإذن الله لابد أن يصب في جيوب محددة وعلى مثل ذلك فقس أي طريق صحراويٍ مهجور تسير فيه . . فلاينجو من هذه القاعدة إلا القليل من المناطق.
رابعاً: تزيد المشكلة تعقيداً في المدن القديمة مثل مكة والمدينة أو الواقعة في وسط مناطق قبلية مثل الطائف وأبها حيث أن محيط هذه المدن مملوك بالفعل للقبائل القاطنة فيه منذ مئات السنين وهنا تماس بين الدولة والقبيلة.
خامساً: المدن المحصورة بأملاك الشركات الكبرى مثل وضع عدد من مدن المنطقة الشرقية مع شركة أرامكو وسابك والمناطق الصناعية الكبرى فهذه المدن إن كان لها من متنفس فهو إما باتجاه دفن البحر أو الصحراء المملوكين مسبقاً !
سادساً: الأراضي المملوكة لجهات حكومية. والحقيقة أن هذه الأراضي لابد من إعادة النظر فيها فهي محجوزة على أساس التوسع المستقبلي ولكنها في الواقع قد تم تملكها من قبل الجهات الحكومية في وقت الوفرة ودون دراسات حقيقية لمدى الاحتياج إليها.
نعم عزيزي القاريء هذه هي الحقيقة فقد ضاقت الوسيعة وهذه ببساطة إحدى إفرازات الطفرة الأولى فقد تعلم العقاريون درساً مفاده أن ماكان يعرض علينا من تملك في الصحراء وأطراف المدن بأثمان زهيدة بخسه وفرطنا فيه سابقاً ثم تحول إلى أحياء مزدهرة لن نفرط فيه اليوم ويساعدهم في ذلك ماكدسوه من أموال يتعاملون معها على أنها مشكلة في حد ذاتها فلا أجمل من دسها في تراب الصحراء فلابد لك أيها المواطن من الوصول إلى هنالك يوماً ما وحينها ستجد نفس الوجوه ونفس الأسماء تنتظرك لتمتص دمك.
أيادٍ طويلة ومال وفير
إن واقع الأراضي الغير مستثمرة اليوم (إما مخططة متروكة كقطع خالية أو أراضٍ خام غير مخططة) عائد إلى إفرازات هذه الثقافة فهؤلاء الملاك الخازنون للأراضي لم يكتفوا بما تحت أيديهم بل أن الشره قد وصل بهم مرحلة مخيفة، فإذا كنت من سكان مدينة صغيرة أو متوسطة فإنك ستفاجأ عند وجود مخططات جديدة وبأسعار في متناول سكان تلكم المناطق قليلة السكان قليلة النشاط الاقتصادي ستفاجأ بكميات من البشر تتقاطر من أنحاء المملكة وتنهال شراء في هذه المخططات حتى تأتي عليها فتتحول القطعة السكنية ذات الأربعمائة أو خمسمائة متر التي كانت تتداول بحدود الأربعين ألف ريال إلى مائة وخمسين ألف ريالٍ في غضون سنتين فقط وتبدأ في الصعود !
نعم وتجد بعضهم قد هجم على الأراضي محملاً بوكالات الشراء ليجمع مايقدر عليه لنفسه ولأصدقائه أو زبائنه . . وعندما يريد الشاب ساكن الساحل الغربي أن يبني منرلاً لعائلته فعليه أن يشتريه من (شايب) على الساحل الشرقي كان في شبابه قد حصل مرتين على منح مجانية من الدولة وقرض وعاش مرحلة العصر الذهبي في يوم ما.
إنه واقع تعيس وظلم بين لأجيال الشباب واستعباد لهم وتسخير لصالح جيلٍ عب حتى الثمالة من خير الوطن ثم عاد ليغرس أنيابه في أجساد شبابه ولم يسلم الشباب حتى من انتقاد ذلك الجيل الذي يجعل من تسفيه أحلامهم والتعريض بهممهم فاكهة مجالسه وشغله الشاغل.
أذكر حضوري لمزاد في مدينة الظهران قبل سنتين وعندما بدأ المزاد كان كبار ملاك قد غيروا مسار المزاد وقرروا أن يجعلوه بنظام المزايدة على البلك وليس القطعة ! وأذكر عندما أعلنوا عن نيتهم الإجرامية ماحصل من اضطراب لدى الشباب الحاضرين الذين كانوا يحلمون بالحصول على قطعة أرض ومنهم موظفون في شركة أرامكو التي تعد أقرب منشأة اقتصادية من ذلك الحي.
لن أنسى صدمتهم كانوا واقفين  ببدلاتهم التي اعتادوا عليها وقد ملأت سياراتهم المزينة بشعارات أرامكو المواقف حول خيمة المزاد وقد وقعوا فريسة لدينصورات العقار التي بدأت تزايد على البلكات بتفاهم وتناغم قذرين والمزايدون هم نفسهم الملاك وسيطبقون أسهمهم العقارية ويخرجون بالغنيمة.
أذكر أن من أحيوا حفلة النصب كانوا يصيحون في الميكرفون (لايفوتك ياراعي العقار اشتر وبع على موظفين أرامكو هذي ذهب ماهي أرض)!!! نعم لقد كانت حفلة شواء وقودها موظفي أرامكو الذين عادوا لشراء قطع الأراضي بالسعر الذي فرضه كبار الملاك عليهم.
فقدان الأمل
ربما أعود يوماً للكلام عن الحلول التي لو أرادها الباحث عنها بصدق لوجدها ولكنني مهتم أكثر بالجانب الإنساني، فقد خط الشيب رؤوس الكثير من الشباب ولما يتمكنوا من تملك مسكن أو حتى أرض سكنية بعد، أما الشباب الحديث فلايحلم أصلاً بذلك أحد أصدقائي أخبرني بأنه عدل عن شراء أرض بعد أن فقد الأمل وقرر أن يعيش حياته المؤجلة ويشتري دباب هارلي!
إنه فقدان الأمل عند الشباب وما أدراك مافقدان الأمل؟ ألم يسمع عقلاء البلد بمقولة الحكيم (لا تحرم الآخرين من الأمل فقد يكون هذا كل ما يملكونه)؟ هل يعلم العقلاء إلى ماذا ينتهي فاقد الأمل وأي طريق يسلك؟
هل يعلم عقلاء البلد أن أبناء الطبقات فوق المتوسطة يسكنون اليوم في وحدات مستأجرة صغيرة سيئة التشطيب وبأسعار عالية ويحسون بالكمد فهم على وضعهم ووضع عائلاتهم المالي والوظيفي الجيد يسكنون في وحدات غير مناسبة ولاحظ أنهم قد عايشوا السعة وعرفوها وأن هذه الطبقة تمثل أغلبية مجتمع المدن والتي بدأت وللأسف تتآكل مع الوقت.
هل يعلم عقلاء البلد أن هذه الأسعار بدأت تخنق الأعمال التجارية من جهة إيجار المعارض أو سكن العمال وأنها تقضم دورياً من هامش أرباحها حتى اضطرت الكثير منها للإنتقال أو الإقفال؟ بل أنني وقفت قبل ثلاث سنوات في الرياض على أشخاص يتعمدون إخراج المستأجرين ليرفعوا الإيجارات بشكل خيالي - مع موجة الإرتفاعات حينها – لكي يرفع قيمة العقار ثم يبيعه! إنها عقليات خبيثة مدمرة للإقتصاد الوطني.
ألا يرى عقلاء البلد أن حتى تجارة التجزئة في مجال (السوبر ماركت) تحولت إلى عقار وتأجير للرفوف على شركات الأغذية المحلية ووكلاء الأجنبية لما وجدوا أن هذه الورقة هي الورقة الرابحة في البلد ولاعزاء للسلسلة الاقصادية المرتبطة بهم كاملة ومنها الشباب؟!
هل عجز عقلاء البلد أن يدركوا ما أدركه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أكثر من ألف سنة عندما رفض تقسيم أرض السواد بالعراق على الفاتحين حفاظاً على حق الأجيال القادمة؟!
لا أحد يسمع الصوت
أنا كافرٌ كفراً بواحاً بحكومتنا البائسة ولابسي مشالحها الكئيبين وبجمعيات المجتمع المدني المعطلة وبحناجر المسؤولين والمثقفين ورجال الدين المادحين أو الخائفين المتقوقعين معلقي الأنظار والقلوب ببوصلة الحكومة أينما اتجهت صدحوا، ولاعزاء للمواطن ولانصح لمسؤول!
لذلك فإنني أوجه النداء بعد الله للأب الصادق وقائد السفينة لخادم الحرمين الشريفين الذي لم أجد كمواطن من يتحرك لقضايانا مثله، ياخادم الحرمين كتبت مقالي لمن أعرف ولمن أكثر علي السؤال (كيف ضاقت الوسيعة؟) فأخبرته بما أعرفه بشكل عام وهم يسألوني عن الحلول والحلول عند سموكم الكريم.
ياوالدنا شباب الوطن فقد الأمل في امتلاك مسكنه، ياوالدنا انتصر للشباب وإن كان على حساب كبار ملاك العقار أو المسؤولين أو الوجهاء أو الأمراء أو كائناً من كان فقد تضخمت المشكلة ولا حل لها اليوم إلا بتحرك عام قانوني ونظامي وثقافي.
ياخادم الحرمين أنت أمل الشباب إذا فقدوا الأمل، ياخادم الحرمين ماذا نقول للشباب إذا قالوا أن الدولة عاجزة بالشكل الحالي حتى عن إمداد الجمعيات الخيرية المخصصة للإسكان بالأراضي المناسبة لإقامة مشاريعها ما جعلها تتجه إلى إقراض العائلات الفقيرة المنتجة وغيره من البرامج الخيرية؟!
ياخادم الحرمين عيون الشر تتربص ببلدنا وبشبابنا ولاتترك فرصة لإذكاء الفتنة والشر وإغواء الشباب فهل نتركهم يعيشون غربة في وطنهم ويرتهنهم ملاك العقار عشرات السنين عبيداً لهم.
ياخادم الحرمين يكذب من يقول لك أن هذا العلق ركن من أركان اقتصاد البلد، ويكذب من يضيق على المواطن عيشه ويقول لك أن المواطن يكفيه القليل، ويكذب من يقول لك أن إنصاف الأجيال القادمة من أبنائك أبناء الوطن حرام شرعاً بل الحرام والله كنز المال وتكديسه وجعله دولة بين الأغنياء وابتزاز باقي الشعب.
ياخادم الحرمين إن في شبابك رماح فدع عنك صادي المدي، وفي شعبك ناصحين يتوقون للمشاركة شاورهم في الأمر وستجد عندهم الحلول إن شاء الله.
ياخادم الحرمين تدارك الأمل قبل أن يموت.

الأحد، 15 مايو 2011

وجاء الوعد الحق 15مايو

   
      بسم الله الرحمن الرحيم
ثارت مصر . . لم تثر على رئيسها فقط . . بل ثارت على وضع عربي وإسلامي مزرٍ لتضع له حداً وتبدأ من جديد.
تعلمت مصر من تونس وليس في ذلك عيب فكثيراً ما كانت مصر القنبلة وصاعق التفجير من الخارج، هي أرض الكنانة ومركز الثقل ولايضيرها أن تحفز من إخوتها الذين طالما رعتهم واحتوتهم حيناً وعلمتهم ونورتهم أحياناً أخرى.
واقعنا بعد مصر ليس كما كان قبله فكما أن الشعوب العربية قد ربضت عليها طواغيتها فقد ربض فوق الطواغيت طاغوت غاشم وكان بعضهم يوحي إلى بعض فنون الإجرام وانتهاك حقوق الشعوب وكرامتها والتعامل معها باستخفاف.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إبراز نفسها كدولة متحضرة وصديقة للشعوب في تعاملها مع ثورة مصر ولكن الشعوب العربية أذكى من ذلك فرغم بيانات أمريكا أيام الثورة ومحاولة الحياد حيناً ودعم حقوق المتظاهرين حيناً آخر، ورغم أن عدداً لابأس به من المتظاهرين ومنظميهم كانو من من عبوا من الثقافة الأمريكية عباً، إلا أنهم عندما جاءتهم وزيرة الخارجية الأمريكية طردوها من عرينهم مجللة بالخزي الذي تستحقه.
ومن العجيب أن هيلاري كلينتون بعد طردها احترمت الثورة وعادت لتملي على الكونقرس الدروس التي فهمتها ونصائحها لأمتها والأهم من ذلك إعترافها بهزيمة أمريكا.
نعم لقد هزمت أمريكا لأن المصريين انتصروا هذه المعادلة حفظها تراب أرضنا ولم يتمكن البعض من إدراكها، إذا انحدرت الأمة وضاقت بها الأرض بما رحبت جاء الفرج بإذن الله من قبل مصر لتدحر أعداء الأمة وتعلق زينات النصر، وأميركا التي تآمرت مع طواغيت الأمة ضدها هزمت لما أهلّت بشائر نصر المصريين على الطغيان والله أكبر.
عندما تنتصر مصر لابد أن ترتعش إسرائيل إذ لابد للمصريين من الانتقام لأنفسهم من إسرائيل من جهة لإساءتها في حقهم ومن الجهة الأخرى لابد لهم من نصرة إخوتهم المستضعفين وإعادة الأمور إلى نصابها . . وهنا تكمن مشكلة أمريكا.
مشكلة أمريكا
بنت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها في المنطقة على الابتزاز، فهي تبتزنا بإسرائيل ويبتز الأنجلو ساكسونيون (سادة أمريكا الحقيقيون) يهود أمريكا من خلال إسرائيل، وتبتز حكام المنطقة بإظهار إسرائيل كحليف مخلص ليبذلو هم ولاءً مضاعفاً ليظهروا كحلفاء أفضل، وتبتز حكام المنطقة من خلال غضب الشعوب من إسرائيل، ويبتز حكام المنطقة شعوبهم من خلال إسرائيل أيضاً لتمرير أجندة أمريكا، سياسة قذرة عفنة أزكمت أنوفنا عقوداً من الزمان.
كما تمكنت أمريكا من خلق بؤر ابتزاز أخرى مثل العراق التي سئم أهلها من الفتنة، وكذلك استغلال حماقة إيران (المستمرة في التداعي)، لتبرر وجودها الدائم، ولكن هذه البؤر ليست في أهمية إسرائيل واليوم بشائر النصر المصري تتوالى وإسرائيل الآن معرضة للخطر.
شعب البحرين يتحرك بإيعاز ودعم من إيران ويصور الشيعة أمريكا كعدو لهم ولكنها حقيقة تدعم مايحصل في البحرين وتتمنى ظهور دولة جديدة تتبع لإيران وتتبنى ولاية الفقيه وتصبح بؤرة جديدة للابتزاز، ومن يقول بأن أمريكا لن تسمح بدولة يقودها الشيعة نقول له ماذا تقول إذاً عن العراق؟
أمريكا وإيران تتميزان ببراغماتية عالية جداً فهما قادرتان على اللعب بقذارة وادعاء العفة في نفس الوقت، وماهراتان في اللعب على التناقضات العربية فلا يمثل أحدهما للآخر سوى شريك الرقص المفضل وليس شيئاً آخر إلا عند السذج من من يفسرون عناقهما بالمصارعة بينما هو أحد أوضاعهما الحميمة.
ورغم ضغط أمريكا على ملك البحرين وحكام الخليج يحبط الخليجيون المخطط الإيراني ويغتالون الحلم الأمريكي ويوجهون ضربة قوية للمصالح الأمريكية لا أدري إن كانت أمريكا قد أفاقت منها أم ماتزال مندهشة من صلابة الموقف الخليجي.
ورغم كل مايحصل في اليمن فلن تجد أمريكا بإذن الله لها موطيء قدم عند اليمنيين الذين حسموا أمرهم ورفعوا مصلحة اليمن فوق كل اعتبار.
ترفض مصر المعونات المشروطة وتنبري دول الخليج لسد العجز المالي المصري نكاية في أمريكا أو محبة في مصر المهم إحباط أي محاولة لتركيع المارد أو إعادته إلى القمقم.
الحارس السوري لجبهة الجولان يواجه ثورة شعبه بالحديد والنار ولم يتمكن من إقناع أحد بأكاذيبه ضد شعبه ويكشر عن أنيابه الطائفية وإسرائيل ترتعد فرقاً من زوال الناطور السوري.
أليس المشهد مشهداً مأساوياً لأمريكا واضعين في الحسبان وضعها التعيس في أفغانستان؟
الحل الأمريكي
يبدو أن أمريكا قد اكتشفت أن الأمور تتداعى وبقدر ما ستتمسك الشعوب العربية بثوراتها وحقوقها وتحاول إنجاحها بقدر ماستقتنع أمريكا بانتهاء دورها القديم في المنطقة وستحاول اللعب بطريقة جديدة، فالكونقرس كان يعني كل كلمة عندما أخبر رئيس الاستخبارات بأنه قد ضاق ذرعاً بكل ما ورطت أمريكا نفسها فيه وأنه يريد الحلول ورئيس الاستخبارات لم يكذبهم عندما أخبرهم بأن الحل في إغلاق كل الملفات الفتوحة ومن ضمنها إسرائيل.
انتهت اللعبة القديمة واتخذت أمريكا القرار لإقفال كل الملفات القديمة فتقوم بإغلاق ملف بن لادن فلم يعد الملف مفيداً لأحد كما تعلن قرب انسحابها من أفغانستان والعراق ولكن مالم تقله أمريكا هو أنها انتهت من إسرائيل.
يعتقد أحد الأصدقاء المتابعين للشأن الأمريكي ومن خلال ملاحظته أنه يوجد ملف سري سيتم سحبه يوماً ما ويطرح للعلن مليء بالحيل والقصص الأمريكية الجاهزة للتخلص من إسرائيل عند اللزوم وأنه كان هنالك دائماً خيط رفيع في الرأي العام الأمريكي يخص المعارضين لإسرائيل يلاحظه المتابع ولايستطيع تفسيره إلا بوجود نية للتخلص من إسرائيل في يوم ما.
هاقد تحققت نبؤة صديقي وأمريكا اليوم يبدو أنها ترغب في التخلص من ورقة لعب قديمة لايمكن الإنتفاع بها في اللعبة الجديدة التي يفرض قواعدها الشباب العربي.
15 مايو
هاهو الشباب العربي يريد أن يفعلها مرة أخرى، بالشجاعة والتصميم وبالأيادي الخالية من السلاح والقلوب المترعة إيماناً بمشروعية التحرك وعدالة القضية يريد أن يصلح ماتم إفساده قبل ثلاثة وستين سنة، وبنفس المنطق منطق قوة الحق وشرعية المطلب الذي لم تفهمه أنظمة الاستبداد العربي ولم تتصور قوته التي أطاحت بهم، بنفس المنطق سيزحفون بإذن الله إلى فلسطين وسيواجهون الصهاينة الذين لن يفهموا هم أيضاً ولن يعرفوا كيف يتعاملوا مع هذا الزحف وسيسقطون بإذن الله.
لايعرف الطغاة على اختلاف مرجعياتهم كيف يتعاملون مع الحق ولكنهم يعرفون كيف يتعاملون مع الباطل، لذلك لم يتمكن طغاتنا من التعامل مع الثورات ولن يتمكن الصهاينة أيضاً.
ماذا سيفعلون بربكم؟ هل سيلقون عليهم قنبلة نووية؟ هل سيفتحون عليهم النيران؟ الصهاينة يرتعدون منا حتى ونحن في سباتنا فما بالكم بموقفهم منا ونحن نزحف إليهم نطلب الحق السليب؟ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام نصر بالرعب وأمته ورثت عنه هذه القوة واليوم ستدعمها بالفعل إن شاء الله.
ستنجح الانتفاضة هذه المرة بإذن الله، سيهزم الجمع بإذن الله، الأحرار فقط هم من يحررون الأوطان وليسوا العبيد وقد انعتقت هذه الشعوب من خوفها فحق لها أن تظفر بالنصر.
وسترون حينها بإذن الله كيف سيغير العالم نظرته مرغماً وسيحترمنا رغم أنفه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

الثلاثاء، 3 مايو 2011

لا أحب الحكومة !

        بسم الله الرحمن الرحيم

نعم أقول وبكل وضوح أنا لا أحب الحكومة، لا أكتب هذا العنوان على طريقة الصحفيين في فبركة عنوان مبهر بعيد عن المحتوى . . كلا . . أنا فعلاً لا أحب الحكومة.
 وليس ذلك فقط بسبب تخصصي فنحن معشر الاقتصاديين لانؤمن بالحكومات ولا بإمكانية تحقيقها للتوظيف الأمثل للموارد وإن كانت طائفة منا ترى أن للحكومة دور توجيهي مهم بل أحياناً تخطيطي وتنفيذي كامل مثل ماهو عند الاشتراكيين ولكننا نقول لهم هنيئاً لكم تخطيطكم الذي عجز عن توفير الخبز لكم.
لست بدعاً من الكتاب ولا أخترع شيئاً جديداً هنا فالأمر أصبح من المسلمات الحكومات التقليدية غير قادرة على تحقيق تطلعات المجتمعات والنخب السياسية.
في بلدنا الكريم يتجاوز الأمر ذلك ويصل إلى أن يخلق الموظف الحكومي صنماً من البيروقراطية كما كان أجداده يفعلون قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ويظل عليه عاكفا ! . . حتى أنه يأتيه رسول الملك برسالة جديدة ولكنه يأبى إلا وأن يركع ويسجد لصنمه . . تجد الملك يأمر بتوظيف من هم على البنود ورفع الرواتب والموظف الفاضل يستشير صنمه أولاً ! . . الملك يأمر بمكافأتين وراتبين فنجد الموظف يستشير صنمه ! . . يضج الناس وتثور الجرائد ويشتعل الإنترنت وصاحبنا في خلوته مع صنمه البشع !
دع عنك الدهشة من تقديم هؤلاء أصنامهم على كل شيء بل والتلكؤ في تنفيذ الأوامر الملكية وأخبرني كيف بالله عليك سيتمكن صاحب الصنم من القيادة والريادة والنهوض باقتصاد البلد والوصول به إلى مانرتجيه؟
ومن باب حفظ الحقوق لاننكر جهود بعض الطليعة أصحاب الأفكار الخلاقة الذين قدموا للبلد أفكاراً مهمة مثل إنشاء الشركات الصناعية والخدمية العملاقة، ولكن حتى هذه نرى الآن أنها تتحول إلى أداء حكومي رتيب وتتخلى عن ريادتها السابقة.
حضرت قبل أكثر من عشر سنوات ندوة عن الحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية . . مهلاً هل قلت ندوة أعتذر . . في حينها رفض معالي الوزير المسؤول أن تكون (ندوة) فالندوة تحتاج إلى إذن المقام السامي فاضطر المنظمون عقدها تحت مسمى ورشة عمل، طيب لماذا رفض معاليه الندوة؟ لأنه قال ما المقصود بالحكومة الإلكترونية؟! . . هل يعني ذلك أنه ماراح يبقى لنا لازمة؟! . . نعتذر لمعاليه ونترك التعليق للقاريء.
إن مثل هذه العقليات موجودة في الحكومة وإذا كان هذا حال الوزير فحدث ولا حرج عن من هم دونه، وإن كان تبني التقنية الحديثة قد أصبح اليوم مطلوباً من جميع الجهات الحكومية على الأقل في الظاهر ولكن تبقى عقلية الممانعة في حاجة لعملية غسيل وكي، في بعض الدوائر الحكومية يوجد الكمبيوتر للزينة ولايعمل أبداً ويوجد عامل مختص بتنظيفه يومياً وبالتالي أصبح الجهاز مخدوماً بدل أن يكون خادماً !
عوداً على بدء أعتقد أن التقصير الملاحظ عند الحكومة في التخطيط والتنفيذ مرده للفشل في رصد المعلومة وتنسيقها وتقديمها للمستفيد وهذا يترك مجالاً كبيراً للأخطاء والاجتهادات الشخصية التعيسة والمعالجات البدائية البعيدة عن التنظيم، والأخطر من ذلك كله الفساد. وبمناسبة الأخير (الفساد) يدهشني دائماً قدرة صاحب الصنم الذي وقف أمام كل شيء حتى القرارات الملكية ورفض التفكير حتى يعود إلى صنمه ليسأله تدهشني قدرته على تجاوز الصنم عندما يكون له مصلحة شخصية في الموضوع! حينها ستحل المشاكل وينكسر الصنم! سبحان الله!
من الأمور المؤسفة لي شخصياً أن الفشل الحكومي يتسبب في خيبة الأمل لدى المواطن البسيط ولدى القيادة السياسية ولا أجد تعبيراً عن أسى الملك أكثر من عباراته هو التي وجهها للمسؤولين وتساؤله عن المشاريع الخدمية وهل هي في الهواء؟! . . والمصيبة أنه لايوجد جواب لسؤال المواطن ولا لسؤال الملك لأن المسؤول الحكومي نفسه لايملك الإجابة!
دعوني هنا أطرح رؤيتي للحل ولعلها تكون بذرة لشيء جديد من يعلم؟
أعتقد أن حل المشكل الحكومي السعودي هو في حكومة إلكترونية كاملة من جهة والتواصل الإلكتروني مع الجمهور من جهة أخرى.
فبالنسبة للإدارات الحكومية لابد لها من التحول الكامل للأعمال الإلكترونية فعندما يتمكن الفرد من إنجاز معاملاته بالكمبيوتر لن يحتاج لتملق كل من يراه في الدوائر الحكومية والتردد عليها مراراً لإنجاز أعماله ولن يحتاج التاجر لإضاعة وقته بين المكاتب والوزارات ولا أخفيكم دهشتي مع عدد من الإخوان عند حضور مؤتمر الشهر الفائت يناقش آفاق الإقتصاد السعودي وعند مرورنا على جناح للمدن الصناعية للتأكد من إجراءات معينة تخص عملاً صناعياً نزمع الدخول فيه فكان جواب الموظف أنه بإمكاننا من الإنترنت الحصول على تصريح مبدأي والبدء مباشرة في العمل! . .فعلاً كانت قمة الصدمة خاصة وأننا كنا نبحث عن معارفنا هنا وهناك وفي هيئة المدن الصناعية واتضح أنه لاحاجة لكل ذلك، هذا ما أتحدث عنه، هذا مانحتاج إليه للإنطلاقة الاقتصادية الحقيقية.
أما بالنسبة مثلاً لمشاريع الطرق والكباري والإنشاءات فأعتقد أن صفحة في الفيس بوك لمشروع نفق أو كبري مثلاً لن تكلف المقاول شيئاً، بشرط أن يديرها موظف من المقاول ويتابعها شخص من الجهة المسؤولة ونكون نحن زوارها وروادها والمراقبين لأدائها بمشاركة أعضاء المجالس البلدية وأعضاء مجلسي المنطقة والشورى، فكم من ملاحظات يراها المواطن البسيط في هذه المشاريع وتثبت صحتها، فلنحاسب نحن هذه المشاريع ونراقبها وعلى القائمين عليها التفاعل مع المواطن.
نحن دولة ناشئة دولة جديدة فما المانع أن يكون لنا حظ من الريادة في العالم؟ والتقنية تجعل ريادتنا في متناول أيدينا بضغطة زر فلنفعلها ولنكن الدولة الأولى في نقل المواطن إلى مرحلة التفاعل والتواصل الدائم مع الحكومة وتوجيهها للأسلوب الأمثل لخدمته.
أما بالنسبة للفساد فسآتيكم بمثال . . تأبى علي عقليتي الاقتصادية أن أتقبل الدعم الحكومي وذلك لسبب بسيط فنحن معشر الاقتصاديين نؤمن أن الدعم لايوظف دائماً بالشكل المناسب بل ويتم التلاعب به ويكون مصدراً للفساد والإثراء غير المشروع.
في حالة دعم البنزين مثلاً الأمر تحت السيطرة إلى حد ما والسبب في ذلك أن جل البنزين محلي الإنتاج ويبقى الجزء المستورد للأسف مكاناً للفساد، أنا هنا أناقش فقط الأثر الاقتصادي من جانب الفساد وإلا فدعم البنزين له جوانب أخرى مؤثرة في الاقتصاد طبعاً، أما في حالة القمح والشعير والأرز وحليب الأطفال وغيرها فهي مجال خصب للفساد لأنه يغلب عليها الاستيراد فعلى التاجر أن يحاسب الجهات الرسمية بفواتيره ثم يستلم الدعم! ناهيك عن الدعم المتغير حسب النوعية مثل الأرز.
هنا أقول لماذا لايتم تقديم دعم حليب الأطفال مثلاً مباشرة إلى الأب أو الأم عن طريق رقم السجل المدني للطفل الرضيع حتى يبلغ ثلاث أو أربع سنوات - على اعتبار أنه سيستمر في الحاجة إلى الحليب والتغذية الجيدة – والموضوع عبارة عن عمليات محاسبة بالكمبيوتر بين الأحوال المدنية (التي لاتكذب) وبين البنوك بإشراف المالية.
هذا مثال وبإمكاننا إيجاد حلول مشابهة لأنواع الدعم الأخرى والابتعاد عن تكوين الكيانات الحكومية الضخمة المكلفة والبطيئة لإدارة مثل هذه الأمور.
ربما عندما تصبح الحكومة أكثر فعالية وتحقق آمالي وآمال كل مواطن وآمال القيادة السياسية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين . . ربما سأغير رأيي وأحب الحكومة.
نعم أيها المسؤول الحكومي المخضرم . . نعم عندنا حلول . .

السبت، 16 أبريل 2011

يا ابو متعب . . انت ابوها وسمها

بسم الله الرحمن الرحيم
يا ابو متعب . . انت ابوها وسمها
مر على الشعوب العربية زعماء حكموها بالخسف والجور، وآخرون بالقتل والإجرام، وآخرون بالاضطهاد، ومنهم من ابتكر طرقاً مثل الجنون ليحكم بها شعبه والقائمة تطول، وندرة هم من حكموها بامتلاك قلوبها.
لا أحب أن أدخل في جوقة المادحين وإن كانت المشاعر تدعوني لذلك ولايروقني أن أفتن أحداً بالتمجيد خاصةً ولي الأمر فيعظم ذنبي ولكني أقرر واقعاً وأصف المشاهد المحسوس حينما أقول أن خادم الحرمين الشريفين قد أكرمه الله بحب الناس له وثقتهم بأفعاله ونواياه.
حتى أن المراقب ليعجب من أن المواطن السعودي لايربط اسم الملك بأي تقصير خدمي في البلد ولايتكلم عن الملك وأعماله إلا بكل خير، على اختلاف الأيديولوجيات والمشارب الحب واحد والثقة واحدة، حتى أن بعض الكتاب الغربيين والعرب أحياناً يتكلم عن هذه الظاهرة بغضب وحدة ظاهرين ولا أدري حقيقة لم الغضب وماهو السيناريو الذي يروقهم ولكنه عدم الفهم وقصور التحليل.
لقد شاهد الشعب مليكه وهو يحاسب الوزراء ويحذر السفراء ويستنهض ذممهم ويشد على كل عامل في جهاز الدولة من أجل المواطن، كما شاهده وسمعه يطلب من الشعب أن يعفيه من الألقاب ويسميه بأحب الأسماء إليه (خادم الحرمين الشريفين)، كما أنه شاهد دموعه التي بذلها للأيتام وتفقده للفقراء وفي كل مرة لايتوانا عن الاستجابة واعتماد القرارات السريعة والأموال لمعالجة المشاكل دون تأخير.
أين الخلل إذن ولماذا تتأخر الأوامر وتعطل القرارات ووأد فرحة المواطن في مهدها؟
إن الخلل كما أراه هو في أجهزة الدولة التنفيذية التي لم تفهم المرحلة ولم تستوعب التغير وإن استمعت وتابعت خادم الحرمين وتلقت أوامره إلا أنها قد ران على قلبها ماكسبته خلال سنوات من البيروقراطية العقيمة والسياسات الإنكماشية التي لم تنفع معها ست سنوات من المجاهدة والدفع بأجهزة الدولة للأمام.
وهذا أمر أدركه المواطن البسيط ولاحظ ضعف استجابة الجهاز الحكومي وتخلفه عن ضرورات المرحلة الأمر الذي دعا بالملك لابتكار حلول إدارية عاجلة لضمان سير العملية التنموية.
إن للمواطن ياخادم الحرمين آمال وتطلعات زادت كثيراً في عهدكم الزاهر وارتفع سقف الحلم وتوقدت النفوس للغد وانقدحت العقول واشتدت الأيدي للعمل والبذل والعطاء من كل أبناء البلد أسوة بمليكها وقائد نهضتها.
فذهب كل في الأمل مداه فمنهم من اهتم بالجانب الإقتصادي فها هو يتابع ويسجل ويعمل ويأتي بخلاصة عمله وتجربته ويضعها تحت تصرفكم، ومنهم من اهتم بالجانب الحقوقي فهو يناضل ويكافح لتفعيل ما أقرته الدولة من حقوق للمواطن وآليات لحفظ كرامته وتحقيق أمنه ولاينفك يوعي إخوانه ويرفع ثقافتهم الحقوقية، ومصلح إجتماعي وآخر ديني وقائمة من أبناء البلد المخلصين الساعين في كل فج.
ويبقى ياخادم الحرمين المواطن البسيط يراقب ويأمل وينتظر شيئاً واحداً فقط وهو أن تفلح جهودكم وجهود المخلصين من أبناء البلد في تغيير البلد إلى الأفضل وتبديل معيشتهم بالإجمال ورفع جودتها.
كل مايريده المواطن البسيط هو حياة أفضل دخل أفضل، رعاية صحية أفضل، تعليم أفضل، بنية تحتية أفضل، أعمال أكثر، وضوح الإجراءات الخدمية وتوفيرها للجميع بالمساواة، بيئة حقوقية أفضل يعرف بها بكل بساطة ماله وماعليه، ولا يتأتا كل ذلك إلا من خلال حكومة أكثر فعالية ومشاركة شعبية أكثر وعملية إصلاحية مستمرة.
ياخادم الحرمين إن جهازنا الحكومي قد قام مشكوراً خلال عدد من السنين بما يستطيع من عمل وتطوير في ظل الكوادر والموارد المتاحة له، وقد قاده خلالها رجال خدموا البلد بما يرون ويظنونه الصواب كذلك نحسبهم، ولكن المرحلة اليوم تستلزم التغيير واستمرار الثقافة نفسها في جهاز الحكومة يقتل كل آمال التغيير في جودة الخدمة كما يحبط كل طاقة شابة تدخل هذا الجهاز ويأخذها في نفس الدوامة.
ياخادم الحرمين مع تقديرنا لكل من خدم البلد كل في مكانه وموقعه ولكننا اليوم نريد التغيير نريد حياة أفضل لايمكن أن تستمر الحكومة في عقمها الإنتاجي فالزمن لاينتظر أحداً وشباب الوطن يتحرقون لخدمته في كل ميدان.
وأورد هنا مثلاً ظاهراً بهيئة الهلال الأحمر السعودي الذي ما أن استلمته عقلية متفتحة وروح شابة حتى تطور القطاع أضعاف المرات، فلم نكن نحلم بوجود طائرات إخلاء طبي بأنواعها ومراكز منتشرة ورعاية سريعة وقد تحققت ومازال في جعبة المسؤولين عن هذا القطاع الكثير كما نسمع.
إن مانريده ياخادم الحرمين أن يتحقق المثل في كل ميدان وفي كل خدمة وفي كل مايخص الوطن والمواطن وأن تنفتح قلوب المسؤولين وعقولهم للناس اقتداءً بكم وأن يتفهمونا ويحترمون رغباتنا.
كم مرة سمعنا منكم ومن إخوانكم أنكم في خدمة الشعب وهو شرف لنا وكرامة لكم ومع ذلك فإننا لانسمع ذلك من أصغر مسؤول حكومي فضلاً عن المسؤولين الكبار، بل بتنا نسمع منهم التقريع والتأنيب!
لله أنت ياخادم الحرمين الشريفين اشف قلوبنا وطمئنا على مستقبلنا وتول هذا الجهاز بعملية إصلاح وتغيير غير مسبوقه فالتطلعات كبيرة والحب والولاء كبيرين وأحلامنا في أن نقف في صف الدول الحديثة.
ياخادم الحرمين لم يجمع الله لك القلوب إلا لتعبر بها حيث تريد وقد أردت الخير فهذه أيدينا في يدك وانت ابوها وسمها.

الأربعاء، 13 أبريل 2011

الشيعة في خطر

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمد ومن استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان . . آمين
هل للشيعة عصاعص؟
كان الشيعة عالماً مجهولاً بالنسبة للكثيرين في العالم الإسلامي وحتى في بلدان يقطنها عدد لابأس به منهم مثل المملكة العربية السعودية وعندما أقول كان فإنني أتكلم عن أحقاب زمنية طويلة اختصرتها اليوم في سنوات بل وأيام وساعات وسائل الاتصال الحديثة بسطوة انتشارها ولهاثها الدائم للمادة الصحفية.
والعجيب أن هذا الجهل كان موجوداً حتى في أوساط بعض أهل العلم الشرعي الذين كانوا يملكون معلومات سطحية جداً عن الشيعة، بل الطامة أن الشيعة أنفسهم لم يكونوا يعلمون حقيقة المذهب وتفاصيله قبل الثورة الإيرانية كبداية والحوارات الحديثة التي تمثل الاكتشاف الأكبر للمذهب من قبل السنة والشيعة على حد سواء.
قبل خمسين سنه كان جل ماسيمازح به أحد أهل نجد مثلاً رجلاً من أهل القطيف سؤاله (هل للشيعة عصاعص؟) وحقيقةً كان هذا كل مايسمعه عنهم وربما كان سيمازحه بحكايات ألف ليلة وليلة عن ليلة عاشوراء، ومن جانبه كان القطيفي سيسأل (هل لأهل نجد عصاعص؟) لأنهم كانوا يردون بهذه المزحة على أهل نجد.
ثم ـ وانتبه لثم ـ سيذهب كل منهما لشأنه فإن كانا تاجرين أتما تجارتهما وإن كانا في الحج ذهب كل منهما لنسكه أو عابرا سبيل ذهب كل منهما لسبيله.
أما اليوم فبدلاً عن أن تتجه جهود الناس لعبادة الله وعمارة الأرض وتشييد الأوطان والذود عن حمى الأمة، بدلاً عن ذلك تم استدعاء التاريخ بمآسيه وكتب العقيدة بمصطلحاتها وكل شاردة وواردة تغذي الاصطفاف الطائفي، ودقت طبول المعركة وأشغلونا بالكر والفر  وكان وقودها الناس والوقت والدماء والأوطان.
نبدأ في الغوص في الموضوع
سأتجنب ما أمكنني الإفتاء في المذهب الشيعي فلست بفقيه شيعي ولا حتى سني ولكنني سأتكلم بما هو ظاهر المذهب من ما قرأناه في كتب الشيعة وبما وجدناه وسمعناه من كبار شيوخه الذين ملأو أوقات بث التلفزيون والراديو ومواقع الانترنت حتى أغنونا عن الاحتفاظ بالمراجع لإقناع الناس بصدق كلامنا قديماً حين كان الناس يرفضون تصديق بعض عقائد الشيعة، أما اليوم فهي في اليوتيوب وفي كل جوال بل وفي نشرات الأخبار.
لايحرض المذهب الشيعي على الفتنة ولايدعو للقتل ولايدعو لاستعداء الآخر في وقت الغيبة وهذه حقيقة لاجدوى من إنكارها، بل إن المذهب يحض أتباعه على الصبر والتحمل والانتظار وأكثر من ذلك المداهنة والتقية فالفرج قريب وصاحب الزمان لابد له من ظهور وحتى يأتي ذلك اليوم فلا مشاكل ولاقتال ولادولة، الصبر ثم الصبر.
في اعتقادي أن ذلك نشأ عن الورطة التي وقع فيها الشيعة بعد الإمام الحادي عشر وعدم ظهور المهدي وازدياد مدة الانتظار فنشأت عملية الانتظار والترقب كتكتيك ولكنها بعد ذلك ولطول المدة تحولت إلى استراتيجية وأحد أهم أساسيات المذهب.
تفيض الكتب والمصادر بما سيحدث بعد ظهور المهدي من مذابح وسفك للدماء وإقامة لحدود شرعية قديمة تعود لصدر الإسلام ويتعجب القاريء من الكلام عن الانتقام والتشفي وسب العرب والتقليل من شأنهم ولكن كل ذلك لم يكن له تأثير على وداعة الشيعة في مرحلة الانتظار ولم يتم استخدام هذا المخزون من الكره إلا في أوقات الفتن المذهبية وفي الوقت الحالي، وهي تمثل مشكلة حقيقية حيث أن اجترار التاريخ والبكاء الدائم والسوداوية التي تصبغ الحياة من تواريخ وفاة إلى أربعينيات إلى مآتم لايمكن أن تنتج شخصاً سوياً ترغب في مجاورته، ولا أدري حقيقة كيف للشيعة أن يحتملوا كل هذا البؤس الذي يدعهم إليه رجال الدين ويحرصون على أن يذكروهم به بكرة وعشيا.
رغم كل ذلك حافظ الشيعة على هدوئهم وتعاملهم مع محيطهم بنوع من الفصام، وحقيقة لايهم هذا الفصام مادام التعايش قائماً وماداموا لايستخدمون مخزونهم العقدي والتاريخي في التناحر مع الآخر أو إحداث الفتن فلينتظروا ونحن معهم من المنتظرين.
أين المشكلة؟
يوجد مشكلة جدية تكمن في أن حالة الترقب والانتظار من الممكن أن يمتطي ظهرها دعي ما فيجرف الشيعة معه إلى مستنقع الفتنة داخل الوسط الشيعي نفسه فضلاً عن فتنة أخرى مع السنة، ولنا في نبوءة الشيخ أحمد الأحسائي بظهور المهدي ومانتج عنها من فتنة البهائية التي عصفت بالشيعة أقرب مثل وليس الوحيد على إشكالية ادعاء المهدوية ومايمكن أن ينتج عنها من فتن، وإن كنت أرى أن هذه المسألة محسومة عند الشيعة حيث سيكونون أول من يتصدى لكل مدعٍ للمهدوية وستكون مشكلة داخل المذهب فقط.
المشكلة الكبرى في نظري تكمن في ممارسة صلاحيات المهدي المطلقة. فظهور المهدي يلزم كل شيعيٍ بالطاعة والسير مغمض العينين خلفه دون نقاش ولا رأي فالمهدي معصوم وفي مقام الأنبياء والرسل بل وينافسهم الصدارة، وهنا تأتي بدعة الولي الفقيه التي تمثل (في نظري على الأقل) الخطر الأكبر حالياً على الشيعة والسنة والتعايش المذهبي ومن مانراه اليوم نجد أن هذه البدعة خربت المنطقة بكاملها.
الولي الفقيه ينوب عن المهدي! هكذا وبكل بساطه قرر الشيعة أن يقيموا دولة دينية ولما لم تخدمهم النصوص الدينية صدو عنها وخلقوا بدعتهم المبتكرة، فإذا كان المذهب لايسمح بالحركة إلا بوجود المهدي فلماذا لاينوب عنه الفقيه في إقامة الدولة الدينية كما ينوب عنه في الإفتاء وأخذ الأخماس والصدقات؟! . . تطورت النظرية وبدأ أنصارها يتزايدون وإن خالفها كبار فقهاء المذهب والحوزات ولكن كرة الثلج تعاظمت ولم يعد أحد يستطيع أن يوقفها.
قامت الدولة وتولى الفقيه النيابة وبدأت صلاحيات المهدي المطلقة في الظهور رغم وجود مجالس استشارية وبرلمان ولكن المرجع الأخير هو الولي الفقيه ولاصوت يعلو على صوته وأول من اصطلى بناره كان الفقيه المخالف! . . فابتدأت معركة دينية في محاولة لإسكات كل صوت فقهي مخالف حتى لاينتقص من شرعية البدعة ويقلل من قيمتها عند الشيعة فالمشوار طويل والشرعية مطلوبة والمعركة لم تبدأ بعد.
بدأت دولة الولي الفقيه الفتية بحماس عظيم وبكل زخم الثورة وشعارات الإسلام والحرية والانعتاق وخالطتها شعوبية مقيتة ونظرة استعلاء عرقي وبدأت تنظر إلى محيطها على أنه الغنيمة الباردة والأنصار موجودون فالشيعة منتشرون في كل دول المنطقة وهم ملزمون بإطاعة المهدي وبالنتيجة الولي الفقيه.
تصدير الثورة
تفننت جمهورية إيران الإسلامية وهي الوليد الشرعي لولاية الفقيه في نشر فتنتها في المنطقة لتحقيق أهدافها التوسعية فابتكرت مصطلح (تصدير الثورة) وفي عودة إلى المخزون البكائي الشيعي العتيد وجدت ضالتها في دعوى نصرة المستضعفين والمطالبة بالحقوق وحثهم على الثورة المعقولة إنسانياً بسبب المظلمة الحقوقية المضخمة وشرعاً بسبب الإرث التاريخي العقدي.
مايهمني هنا هو أن هذا العمل الطائش حول الشيعة في المنطقة من مواطنين في وضع انتظار المهدي إلى أفراد في جيش المهدي المنتظر، بل أن الاستخبارات الإيرانية مافتئت تنظم وتدرب وتعد العدة بين الشباب وبين المعممين وصرفت على ذلك الجهد والمال والوقت.
ولم يتورع نظام الولي الفقيه عن أي فعل فهو يملك صلاحيات المهدي المنتظر فعمليات الاغتيال جائزة، تكديس المتفجرات في دول الخليج جائز، إذكاء القتل في لبنان وإن كان للفلسطينيين الذين تتباكى على قضيتهم جائز، تدنيس الحرم بالتظاهر والقتل تارةً وبالتفجير تارة أخرى جائز وأعتقد أن هذا أحط ماوصلت إليه ولاية الفقيه وأخطر مؤشر لما يمكن أن يصدر من هذا النظام الخبيث.
وإذا عدنا بعد كل هذا للنجدي فهو لن يتندر على القطيفي بالعصعص فقط وينتهي الأمر بل إنه سيصمه بالرافضي وسيعتقد أنه عميل للولي الفقيه الذي يتقرب إلى الله بطاعته، كما أن القطيفي سينظر إلى النجدي على أنه الناصبي المجرم عدو آل البيت. ولن يذهب كل منهما بعد ذلك في طريقه بل سيستحكم بينهما العداء وسيعد كل منهما العدة للآخر ويبيت ليله وهو على حذر منه.
هذا مايجنيه نظام الولي الفقيه على الشيعة وهذا مايعرضهم له حتى أصبحت سمعتهم في كل مكان أنهم مواطنون بولاء منقوص ولايمكن الركون إليهم ولاتصديقهم ولابد من أخذ الحذر منهم ومن تحركاتهم وربطها بإيران دائماً وبالولي الفقيه والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
أوجه كلمتي للشيعة وأقول إنكم على خطر عظيم ورغم تأكدي الشخصي من أنه يوجد من الشيعة من يحمل لبلده كل إخلاص ويفتديها بدمه وقد عايشت الشيعة وخالطتهم في أكثر من حين ووجدت منهم رجالاً مخلصين لوطنهم متآخين مع محيطهم وليسو في حاجة لتزكيتي لهم، إلا أن الأصوات العالية لعملاء بدعة ولاية الفقيه يفسدون جو التعايش السلمي في المنطقة ويشيعون جو الريبة والتخوف ويعملون على تفجير السلام الداخلي لكل بلد بناءً على بدعة ابتدعوها ولم يجدوا من يردعهم عنها.
أرى أن واجب الشيعة هو التيقظ لهذه الفتنة ورفض هذه البدعة ورفض التبعية المترتبة عليها، إن الأمر منوط بالشيعة أنفسهم فالبدعة ظهرت في مذهبهم واجتاحت المنطقة وأفسدت جوها فعليهم إذاً التصدي لها ومحاربتها.
وعلى الشيعة أن يعلموا أن التاريخ لن يعود للوراء فقد ظهر من المذهب ماكان خافياً وعرفه القاصي والداني ولينظروا إلى أنفسهم فقد عرفوا هم من مذهبهم ماكان خافياً عنهم وربما فوجئو بما عرفوا، فلابد إذاً والحال كذلك أن يبادروا إلى شرح وجهة نظرهم حول ما انكشف من عقائدهم والوصول إلى تطمين مقنع لجوارهم.
أنا لا أقصد بذلك تخوين الشيعة ابتداءً حتى يثبت العكس ولكنني أقول أن المشكلة قد وقعت في أوساطهم ابتداءً فكان عليهم المبادرة لإزالتها، كما أن نصوص التكفير والتفسيق ابتدأت من جهتهم لأهم رجالات الإسلام بعد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته فكان لابد لهم من الابتداء وتفسير أمرها لجوارهم الإسلامي.
بإمكاني أن أكتب كلاماً من قبيل مايطرحه البعض أنه لافرق بين المذهب الشيعي والسني وعبادتنا واحدة وما إلى هنالك من أوهام لاتقنع أحداً ولاتحل إشكالاً، ولكن لنتكلم بوضوح نحن نرى مذهب الشيعة مذهباً باطلاً لايصل بصاحبه إلى الجنة، وكذلك يرى الشيعة أن مذهب أهل السنة باطل ولايوصل إلى الجنة هذه هي الحقيقة وماسواها تخاريف جاهل أو داعية تقارب مايلبث أن يكتشف الحقيقة ويعود إلى هذه النقطة.
ولكننا في نفس الوقت لدينا عدد من الأصول الدينية المتشابهة ولدينا مشتركات من قبيل الوطن واللغة والمصير،وبالتالي لابد لنا من التعايش المبني على الوضوح فليكن لكل شرعته ومنهجه ولايتعرض للرموز الدينية للآخر، وهنا كثيراً مايتندر أهل السنة بقولهم للشيعة لاتسبوا الصحابة ولانسب أهل البيت وقد علم الشيعة أن أهل السنة يقدرون أهل البيت فضلاً عن أن يسبوهم، وهذا من عجيب الأمور فعلام الاستفزاز إذاً والتعرض للصحابة ونساء النبي ورجالات الإسلام في كل طبقة؟!
كان التعايش هو الأساس فأعيدوه كما كان، لن أعظكم في دينكم ولكن طبقوا وصايا المذهب وانتظروا المهدي فإذا ظهر فلن تجدوا داعياً لقتلنا لأننا إن شاء الله سنكون أول المتبعين، ولننصرف حتى ذلك اليوم لحفظ كرامة الإنسان وبناء الأوطان ونترك دولة ولاية الفقيه فما أراها والله إلا في زوال، ستزول دولة الفقيه وسيبقى الشيعة فلماذا يدمرون مستقبلهم مع جوارهم من أجل لحظة لن تدوم.
وتحياتي لكل الشيعة الشرفاء الذين رفضوا أن يتم استخدامهم كأدوات لأجهزة الاستخبارات والعمائم المشبوهة وأعانهم الله على مسؤوليتهم الجسيمة في الحفاظ على مجتمعاتهم ورد تدخلات الطامعين فيها ومناصحة الضال من إخوانهم. والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.