الاثنين، 25 أبريل 2016

برنامج التحول الوطني

بسم الله الرحمن الرحيم


برنامج التحول
ينظر المواطنون بأمل إلى العهد الجديد وإلى برنامج التحول الوطني ولم يعد الحديث يدور إلا عنه وعن الحرب على الحد الجنوبي وعمل المملكة على قيادة سياسة المنطقة إلى الاستقرار.
ولاشك أن هنالك عمل على ترتيب البيت الداخلي وإعادة صياغة الخطط وآليات إدارة الدولة بجميع نواحيها بل أن الكلام يكثر عن عقد اجتماعي جديد ودولة سعودية رابعة.
لن أخوض في الشأن السياسي البحت لاعتبارات عديدة وسأتوجه مباشرة إلى الشأن الاقتصادي كيف هو الآن وكيف سيكون وباختصار شديد إن شاء الله.

الوضع الاقتصادي الحالي
علينا الاعتراف بأننا نمتلك نموذجاً اقتصادياً فريداً عصياً على التصنيف فهو رغم بساطته يحوي بعض التعقيد ورغم وضوح هياكله إلا أنها لاتتكامل بالشكل الذي تطرحه كتب الاقتصاد.
ومثال على ذلك محاولة البعض وصم اقتصادنا بنموذج المرض الهولندي وأقول نعم كان من الممكن أن يكون اقتصادنا حالة نموذجية لهذا المرض لو كان اقتصادنا نموذجياً لكن الواقع أنه لايشكل نموذجاً نمطياً حتى ينطبق عليه المرض الهولندي.
وهكذا علينا في كل مرة نجد فيها نموذجاً اقتصادياً ونريد تحليل اقتصادنا الوطني من خلاله أو استخدامه لتطوير اقتصادنا علينا أن نتوقف قليلاً ونتذكر أننا نملك اقتصاداً فريداً وبالتالي علينا أن نبتعد عن الأمثلة المطروحة في كتب الإقتصاد وأن نعمل على فهم اقتصادنا بشكل أكثر واقعية ومن ثم العمل على تحديد مشاكله ونواقصه ومعالجتها والدفع به إلى الأمام ليواكب الدور المأمول منه.

الطروحات الاقتصادية الإعلامية
يبدو أنه بات من الظاهر لكل مهتم أنه توجد مشكلة حقيقية في هيكل اقتصادنا وقدرته على الاستدامة والفرص الضائعة في داخله. وبالتالي فقد أدلى الكثير من المهتمين بدلائهم ووضعوا تشخيصاتهم وطروحاتهم لإصلاح هذا الوضع ولكن تكمن مشكلة هذه الطروحات في عدة نقاط أجملها في الآتي:
أولاً- مشكلة الأرقام والبيانات
للأسف الشديد لايمكن لأي باحث اقتصادي تناول الشأن الاقتصادي دون الضياع بين الأرقام المتباينة وإن كانت هذه المشكلة تأخذ في الانحسار إلا أننا مازلنا نشهد تضارباً في أرقام مهمة وتبنياً لأرقام مضللة من كتاب ومحللين وأحياناً جهات رسمية.
ثانياً- الموضوعية
في هذا الباب مازلنا نشاهد مقالات وتحليلات اقتصادية تفتقد إلى الموضوعية يبدأها الباحث بنتيجة ويختار لها مايشاء من الأرقام ليثبتها ويخرج من خلالها بنتائج وتوصيات وطروحات مهمة ولكنها للأسف خاطئة من الناحية العلمية.
يعمل هؤلاء الكتاب والباحثين بجد وبشكل تبريري إما لما في أنفسهم من غايات شخصية أو سياسية أو خدمة لبعض أجهزة الدولة في توجهاتها وهذا للأسف انعدام للموضوعية والأمانة.
ثالثاً- ندرة الطرح المتخصص الرصين
بعيداً عن الإصدارات العلمية المحكّمة ذات الطبيعة الأكاديمية فإن المقالات والأبحاث بل وأحياناً حتى الترجمات المنشورة تفتقد إلى الطرح الرصين الذي يتم وفق الأصول وتتم مراقبته من قبل لجان من المتخصصين.
لايمكن طبعاً ضبط كل مايكتب ولكننا نحتاج إلى إصدار إعلامي واحد على الأقل تكون فيه المقالات والأبحاث المهتمة بالشأن الاقتصادي مراجعة من قبل مختصين، فيكون هذا الإصدار مسطرة للساحة الإعلامية الاقتصادية ونموذجاً يرتفع بمستوى الكتابة الاقتصادية.
عليه فإن الساحة اليوم مليئة بالأرقام والمفاهيم الخاطئة والمغالطات البينة في محاولة تطبيق صورة الاقتصاد النموذجي على الاقتصاد السعودي بآلية ميكانيكية لايمكن أن يقول بها اقتصادي متجرد.
سأذكر مثالاً واحداً وهو الحديث الكثير عن دعم سعر وقود السيارات، كثرت الطروحات والأرقام المضللة جهلاً أو عمداً من بعض الاقتصاديين وتركز كلها على المواطن واتهامه بالإسراف وتكليف الدولة مالا تطيق وحرق براميل النفط التي كان من الأجدر بها أن تصدر، ثم يظهر تواضع الأرقام الحقيقية وتزييف الإعلام والإعلاميين والاقتصاديين لتلك الأرقام ومع انخفاض سعر البترول وجدنا أن مقدار هذا الدعم الذي ثارت حوله هذه الزوبعة رقم عادي وليس بتلك الضخامة.

عقدة الذنب
يأتي برنامج التحول الاقتصادي اليوم بعد سنوات من جلد الذات الذي مارسه المجتمع، فقد ناح المسؤولون والاقتصاديون والإعلاميون ونشروا أرقاماً مغلوطة واستمروا في ذلك عدة سنوات حتى أقنعوا المواطن بأنه هو العدو الأول للاقتصاد لأنه يستهلك الموارد والخدمات ولايعمل ولاينتج ويشكل العقدة الحقيقية أمام تقدم بلده، بل أنهم أوهموه بأن فهمه الديني وعاداته وتقاليده تتسبب في تعطيل نصف طاقة المجتمع حتى بات المواطن يشعر بالفعل بعقدة ذنب تجاه وطنه وأصبح هو نفسه يطالب بفرض الضرائب ورفع المعونات لحماية الاقتصاد من جشعه المزعوم! بينما الفشل الحقيقي هو فشل الحكومات المتعاقبة التي لم تمتلك المعرفة ولا الرؤية ولا الإرادة الحقيقية لتطوير الاقتصاد السعودي.

رؤية 2030م
تأتي اليوم رؤية 2030م للاقتصاد السعودي لتستفيد من كل هذه الفوضى وتوظفها لهدف سامٍ كما يبدو وهو نقل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد أكثر كفاءة وفعالية واستدامة وتحجيم الاعتماد على النفط.
ولكنني أستشرف لهذه الرؤية نهاية واضحة جداً، ففي حال نجاح تطبيق هذه الرؤية فإنها ستكون توطئة لنظام اقتصادي طبقي عتيد فيه طبقة ملاك تتكون من النبلاء وأثرياء ماقبل سنة 2016م الذين يملكون وسيستكملون امتلاك عناصر الإنتاج ورؤوس الأموال والوظائف العليا في الدولة ويضاف إليهم التجار الأجانب الذين سيستثمرون في المملكة وتحل تحويلاتهم للخارج محل تحويلات العمال الآسيويين البسطاء.
أما الطبقة الأخرى فهم عامة الشعب من الفقراء ومتوسطي الدخل فهذه الطبقة ستكون طبقة كادحة ذات سقف طموحات منخفضة، في أحسن الأحوال ستجد الوظائف وإذا تمت إدارة الاقتصاد بشكل جيد فإن دخولهم ستكون معقولة ولكنها لن تنقلهم إلى طبقة أفضل من طبقة العمال أو الموظفين وفي أحسن الأحوال التنفيذيين في شركات أباطرة المال.
إذا أردت أن تعرف كيف ستكون نتيجة برنامج التحول فيما لو تمت إدارته بشكل جيد فانظر إلى النموذج البريطاني مثلاً الذي تحولت فيه العائلة المالكة والنبلاء إلى مستثمرين كبار محليين وعالميين وبقية الشعب مطحون في دائرة العمل والضرائب والبحث عن البرامج الاجتماعية، غير أن المستثمرين الأجانب في بريطانيا لايخرجون الكثير من الأموال منها.
وهنالك فرق الجوهري ومهم جداً وهو أن الحكومة البريطانية مفلسة مثل أغلب حكومات القارة العجوز بينما ستكون الحكومة السعودية ثرية جداً بسبب عائدات البترول.
هنا يعود الشأن السياسي ليفرض نفسه ونتساءل لماذا يتم إعداد هذا النموذج الاقتصادي؟
سيكون هذا النموذج مفهوماً فيما إذا كانت القيادة السعودية متشائمة جداً من مستقبل النفط (أستبعد ذلك) ومدركة لتقلبات أسواقه كما أنها تستعد لتحول حاد في مسألة المشاركة السياسية وتريد حفظ امتيازات الطبقات ذات الامتيازات في المجتمع السعودي، ولكن ماذا عن امتيازات الطبقة الكادحة التي سيتم رفع الدعم عنها وفرض ضرائب عليها والضغط عليها لتحمل فاتورة التغيير؟
وسؤال آخر مهم هو كيف سيتم تطبيق كل ذلك دون رقابة مستقلة وكيف بحكومة غنية وغير ملزمة - بسبب برنامج التحول – على رعاية المجتمع أن تلتزم فعلاً بالنزاهة والكفاءة والتي تعد من أهم مشاكلها الحالية؟

أعتذر عن هذه النظرة المتشآئمة ولكن هذا بالفعل ما أراه شاخصاً أمامي في حال تطبيق هذه الرؤية وأرى أنه لابد من إعادة النظر فيها بما يضمن حقوق الجميع إذا كان مطلوباً من الجميع إنجاح هذه الرؤية.

الجمعة، 23 يناير 2015

سانحة حول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم
فهد بن عبد العزيز
سأبدأ كلامي عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحاكم السادس للدولة السعودية الثالثة بالكلام عن سلفه فهد بن عبدالعزيز ليكون توطئة يسهل بها جمع أطراف الموضوع.
ولدت في عهد الملك خالد ولكنني كنت حينها طفلاً صغيراً وأدركت في عهد الملك فهد حتى أصبحت رجلاً، وهذه طبيعة الملكيات المستقرة يقضي المرء فيها عمراً كاملاً لايعاصر سوى ملك أو اثنين وولي العهد محدد سلفاً وربما كانا وليا عهد كما في الحالة السعودية.
عهد الملك فهد كان متميزاً جداً فقد حكم الرجل البلد بالفعل في عهد سلفه الملك خالد حين كان ولياً للعهد ثم جاء عهده وهو في كامل صحته فكان مسيطراً على الأمور متمكناً من كل شيء وكانت صورته عند الشعب أنه الحاكم القوي والسياسي البارع والرجل المخيف!
نعم كانت حقيقة الشعور نحوه تقوم على الخوف والرهبة مع شيء من الثقة والإعجاب، كان الملك فهد ومازال رمزاً للسيطرة والقوة وقد أعطاه هذا نوعاً من الاحترام.
ولي العهد
بسبب طول فترة حكم الملك فهد والتي قاربت الربع قرن ووجود الأمير عبدالله حينها كولي للعهد فقد ارتبط هذا اللقب به ورسخ في أذهاننا حتى بعد توليه الحكم ولقوة الملك فهد والصورة الراسخة عنه فقد كان الأمير عبدالله يمثل للجميع الرجل البسيط القريب لطبيعة الناس ذو الشخصية البدوية صاحب النزق والمغامرات، وكان بهذه الصورة محبباً لجميع المواطنين.
لم يعرف عن الأمير عبدالله الفساد المالي الذي اشتهر به بعض الأمراء، كما أنه كان محباً للشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين بل أنه كان كثير التواصل معهما وكان يشاع أنه لايخالف لابن عثيمين كلاماً أبداً، وبذلك كان الأمل كبيراً في أن يكون هذا الأمير حافظاً للإرث الديني المحافظ مصلحاً لأمر الدولة حافظاً لأموالها.
انتقال الحكم
لم تكن آخر سنوات حكم الملك فهد جيدة بل كانت نموذجاً للضياع فقد مرض الرجل ولم يعد يدرك ماحوله ومع ذلك كانت تصر وسائل الإعلام المحلية على تلميع صورته وإظهاره بمظهر المسيطر المتمكن رغم أن الصورة كانت أبلغ من كل دعاية زائفة، كما أن التصرف الفعلي في تلك السنوات قد انتقل إلى أصغر أبناءه الذي حول الديوان الملكي وكل مايختص به إلى مهزلة حقيقية ولعبة في يده حتى تبرم المواطن والمسؤول وحتى أبناء الأسرة الحاكمة من عبثه.
هنا يظهر دور الأمير عبدالله عندما بدأ يسيطر على الأمور ويتهيأ لاستلام الدفة ويقوم بالزيارات اللازمة للعواصم الرئيسية حتى يوم استلامه لمقاليد البلاد لسوء الحالة الصحية للملك فهد حينها تنفس الناس الصعداء أملاً في الخلاص من عبث الغر الذي سبب فوضى صبيانية في البلد.
وبعد سنة من الإشاعات المتواصلة حول وفاة الملك فهد وبلبلة عند العامة حول ولاية العهد توفي الملك فهد عام 1426هـ الموافق 2005م لينتقل الحكم بصورة طبيعية سلسة إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ورغم أنه حينها كان يناهز الثمانين إلا أن الآمال كانت كبيرة وكنا ننتظر الكثير واستبشرنا بالعهد الجديد.
أذكر حينها في إحدى المرات التي فشت فيها قصة حول التنازع على ولاية العهد أن هنالك من أراد عزل الأمير عبدالله من ولاية العهد في آخر أيام الملك فهد، وقد طبقت هذه الإشاعة في وقتها مدينة الرياض حتى أنه جاءني أحد الأصدقاء في منزلي متوتراً يحكي لي تفاصيل المؤامرة المفترضة ودقائقها فقلت له بكل وضوح ليس حباً في الأمير عبدالله ولا كرهاً في غيره لكن لا أظن أن الأسرة الحاكمة ستعبث في هذا الأمر فهو خطير ولو عبث أحد في استقرار البلد فسأنصر صاحب الحق ولو بيدٍ عارية حفاظاً على استقرار البلاد.
والحق أن ولاية العهد وسلاسة انتقال الحكم نعمة كبيرة وعامل رئيسي من عوامل الاستقرار ولطالما حاول المرجفون العبث في هذه المنطقة وبث القلق بين المواطنين من خلالها لذلك تحرص الدولة دائماً على تقريرها في النفوس ويحرص أبناء العائلة الحاكمة على إظهار المبالغة في احترام هذه الآلية.
عهد عبدالله
أظلنا عهد الملك الجديد والصديق القديم فكنا ممتلئين بالأمل ندعوا له بالصحة والعافية ليتمكن من العمل والإصلاح، خلعنا عليه الألقاب فرحنا لما رأينا ملكاً إنساناً يضحك ويبكي حازم حيناً مرح حيناً آخر شديد الصراحة وشديد التلقائية، كما أن الله فتح لنا خزائن الخير فتحسنت عائدات الحكومة، كل شيء كان يدعو للتفاؤل.
ورغم الصعاب التي واجهها العهد الجديد فقد احتشد الشعب كله وراء ولي الأمر وأظهر الحب والدعم والولاء في ظاهرة لا أظنها تتكرر في التاريخ، كانت أول مشكلة هي الإرهاب ثم الحروب والقلاقل الأهلية في الدول المجاورة والمؤامرة الدولية لتقسيم المنطقة.
كما رافق عهد الملك عبدالله الانفتاح الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي وتعدد وسائل التعبير عن الرأي، ورغم كل ذلك فقد بقي الجميع على حبهم للرجل حتى أننا شاهدنا رجلاً مثل الدكتور عبدالله الحامد يتأهب للسجن ورغم ذلك فإنه يصف الملك عبدالله في آخر مقابلة تلفزيونية له بالإصلاحي الأول.
ورغم كل ذلك الاحتشاد الشعبي إلا أن الإنجاز كان دون الطموح على مستوى الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد وعلى الصعيد التنموي، وقد وجدنا في هذا العهد اختلافاً في ما استقرت عليه البلاد من معالم المجتمع المسلم المحافظ.
ولكن إجلالاً لأمر الموت - وأنا أكتب هذه السطور بعد ساعتين فقط من إعلان وفاة الملك عبدالله رحمه الله وغفر لنا وله ولموتى المسلمين - فإنني أترك تقييم عهده من وجهة نظري كمواطن بسيط إلى وقت آخر، ولعل ماوقع من تقصير في عهده يعود إلى كبر السن والمرض، ولكن لا أستطيع أن أكبت تأسفي على حجم الحب والتطلعات الشعبية أمام الإنجازات المتواضعة والتغيير المرفوض لمعالم المجتمع المسلم المحافظ.
رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز ووفق الملك سلمان بن عبدالعزيز لما فيه خير البلاد والعباد . . آمين


الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

الحوار المستحيل حول قيادة المرأة للسيارة

بسم الله الرحمن الرحيم

وماتزال الرحى دائرة والحَب لاينتهي، كلما أهلكت الرحى حباً وضعت يدٌ حباً جديداً، وكلما تآكل حجر الرحى استبدلته يدٌ بحجر جديد، ويد أخرى تديرها ثم تديرها، ويالهذه الرحى التعيسة! أنهكت الجميع ولم يخرج منها حفنة دقيق!!

كيف بدأت المشكلة؟

قيادة المرأة للسيارة من المفترض أن تكون في أي مجتمع مسألةً محدودة في بعدها الثقافي والزمني. لكن إشكالية المسألة في المملكة العربية السعودية أنها لم تأخذ مسارها الاجتماعي الطبيعي ليقرر المجتمع بأنساقه الثقافية ومؤوسساته رأياً يكون محل اتفاق فقد تم قطع الطريق عليها فأصبحت معلقة وكان وضعها المعلق مغرياً لكل مستشكل أو باحث عن الإشكاليات المجتمعية لغرض ما.
المملكة بلد حديث عهد بالثروة حديث عهد بالتطور، في لحظةٍ ما بدأ يصلنا كل جديد ومن هذا الجديد السيارة، لكن قلة السيارات وعدم توفر الطرق والمال حالت دون انتشارها بين الناس.
شيئاً فشيئاً بدأت الطرق تتحسن والأموال تتدفق والسيارات تتوفر وكان العنت في قيادتها وصيانتها مساهماً في حصرها فيمن ملك ثمنها وتدرب عليها من الرجال، تزامن كل هذا مع توسع المدن والهجرة إليها من الأرياف والبوادي ماخلق مزيجاً غير متجانس إلى حد كبير.
فبينما كانت المرأة في الريف أو البادية تقوم بأدوار معينة في مجتمعها وربما تخالط الرجال جهلاً بالحكم الشرعي وعلى اعتبار أنهم جميعاً أقرباءها، لم تكن المرأة في المدينة تفعل ذلك لزيادة الوعي الديني ولأن المدينة تحوي أخلاطاً من البشر، فما بالك بعد أن اتسعت المدن وزادت الهجرة إليها، وقد جرى نفس الأمر على المهاجرات مع عوائلهن إلى المدن.
هنا مازلنا نتكلم عن التدين البسيط والعادة والظرف الاجتماعي والغيرة الغريزية وقد تعززت هذه القيم السامية بزيادة الثقافة الشرعية نظراً لفشو التعليم وانتشار الدعاة.
أما في الأرياف والبادية فقد استمرت المرأة في دورها السابق ومن تهيأ لها تعلم قيادة السيارة تعلمته ومارسته لاستكمال دورها المعتاد دون حساسية إلا في حالة القرى المكتظة أو التي اتسعت وتمدنت فقد تحول الوضع فيها إلى نفس وضع المدينة.
حتى ذلك الوقت مازالت القضية طبيعية وآليات القرار المجتمعي سليمة والتطور الثقافي الطبيعي أوجد نسقاً واضحاً ومحدداً للمسألة لذلك لم تكن المسألة موضع جدل.

صناعة المشكلة:

إن تواطوء المجتمع على أمر ما والناتج عن تطور طبيعي للأمور في أنساقٍ ثقافية محددة يعطي للمسألة قوة ويأخذ الأمر اسم العرف، ويكون تعديل أو تبديل هذا العرف مرهوناً بعمل مجتمعي جديد وفي ظل أنساقٍ ثقافية جديدة، فإما أن يُقر العرف السابق مرةً أخرى وإما أن يُعدل أو يُبدل.
الذي حصل (في مظاهرة القيادة الأولى بداية التسعينات الميلادية) هو أن عدداً من الأشخاص مابين رجال ونساء بدأوا في مناقشة الأمر بصوت عالٍ وفاجأوا المجتمع بفتح موضوع كان قد قرر رأيه فيه بشكل طبيعي، وقد كان التوقيت والظروف المحيطة به موضع ريبة، وتناولهم للموضوع كان صدامياً متحدياً للمجتمع وللسياسي ومتخذاً شكل تظاهرة الأمر الذي لاتحتمله السلطات السعودية أبداً.
توجهت أصابع الاتهام في حينها للغرب واتُهم الساعون للقيادة بالعمالة، وقد كان السياسي والمجتمع حينها يواجهون الضغوط الأمريكية للنفاذ إلى المجتمع السعودي وتغيير قيمه وثوابته.
واجه المجتمع بأكمله في حينها التحرك وعلى رأسهم السياسي مع الديني واقتنع الأفراد أنه مخطط خبيث لتفكيك الشكل المحافظ للأسرة السعودية وإفساد المرأة.
مثل موقف المجتمع حينها تجديداً للعرف السائد الذي أخذ الشكل الشرعي الصارم من خلال الفتاوى الشرعية التي أقرت بأن قيادة المرأة للسيارة في ذاتها أمر مباح ولكن المفاسد المترتبة عليه تجعله حراماً.
فشل المخطط وأدى إلى نتائج عكسية، فإن كان هدف القائمين عليه القيادة نفسها فقد انقطع السبيل دونها، وإن كان قصدهم ماوراءها من أمور فقد دق هذا التحرك ناقوس الخطر ونبه الجميع إليه.

تورط الشرعي:

منذ تلكم الحادثة واجهت المؤسسة الدينية الحقيقة وأبصرت الخطر وأخذت على عاتقها مواجهة الأمر بقوة وأدركت أن هذا أمر قضي بليل وأن وراءه ماوراءه من مخططات خبيثة.
وقد ساعدها في معركتها مباركة السياسي بل وتخندقه وراء المؤسسة الدينية والفتوى فأجهض المخطط الأمريكي دون مواجهته بحدة ودفع بالشرعي في نحر أمريكا وتحجج بالتيار الديني المحافظ، فحقق كلا الطرفين (السياسي والشرعي) أهدافه.
أدى هذا التجاذب إلى فرز مجموعة داعية للقيادة في مواجهة المجتمع بكامله، وكان لهذه المجموعة خصائص واضحة أهمها التأثر بالنمط الغربي للحياة وتقليلهم من شأن السفور والاختلاط والوضع الخاص للمرأة في الإسلام، إما جهلاً أو رفضاً لقيم دينية أصيلة.
والعجيب أن هذه المجموعة لم تصادم السياسي على اعتبار أنه صاحب القرار وإنما ركزت جهدها في مواجهة الشرعي وقد زاد ذلك في رفض المجتمع لها حيث أنه لاوجه لمقارنة مجموعة من التغريبين بعلماء الشريعة المؤتمنين على حماية الدين والأخلاق.

اللاعب الجديد:

في خضم هذا الطحن بين الشرعي ومجموعة التغريبيين يبدو أن أحدهم قد وجد فرصة سانحة في هذا الصراع لضرب الاثنين ببعضهما لينشغلا بالفعل عن مناقشة قضايا مصيرية أكثر حساسية وأهمية ويستهلكا طاقتهما ويضعف كل فصيل ويسهل كبح جماحه بل وابتزازه وتوجيهه لخدمة هذا اللاعب.
يتوجه بعض المراقبين باصبع الاتهام إلى أجنحة في السلطة ويجعل الأمر صراع أجنحة، وبعضهم يظن أنه السياسي أو صانع القرار، وآخرون يقررون أنها جهات عليا ذات توجهات تغريبية! الحقيقة غائبة لكن الأكيد أن هنالك من تبنى اللعبة الأمريكية القديمة وحولها إلى نسخة سعودية.

إفساد آليات القرار الاجتماعي:

إن هذا التجاذب الحاد حوّل القضية إلى مسألة مصيرية حساسة فالشرعي يقول أن بعدها الطوفان والتغريبي يقول أنها سلب لحق أصيل للمرأة وتعطيل للتنمية، والسياسي - كما يبدو - يمسك بشعرة معاوية ويحقق المكاسب ويتلاعب بالجميع فلا هو ترك المسألة للمجتمع يقرر فيها بحرية ولاهو قطع بضرورة الالتزام برأي المؤسسة الدينية، ولاهو بالذي أوقف المسألة بحزم كما فعل في التسعينات حينما كان ذلك في صالحه.
وبقي يُمنّي كل فريق الأماني حتى أنهك الجميع وأصبح كل طرف يستعدي السياسي على الآخر ويتملقه ويتمسح فيه.
المشكلة الأهم في نظري أن آليات القرار المجتمعي اليوم لم تعد سليمة، فمسألة مثل هذه كان يفترض بالمجتمع حسمها والبت فيها بشكل تلقائي كما حصل من قبل أو من خلال مؤسساته وعلى رأسها المؤسسة الدينية، وطرح الموضوع دون حساسيات أو استعداء واستدعاء لدول الغرب وجمعيات حقوق الانسان. لكن الأمر قد تم إفساده بالفعل ولاحول ولاقوة إلا بالله.

العودة إلى نقطة الصفر والاسئلة التأسيسية:

الاستشكال الأهم في طرح الموضوع مجدداً هو أن المجتمع قد تغير وأن النسق والأنماط الثقافية قد تغيرت ووضع المرأة قد تغير بالفعل فلابد من رؤية جديدة للمسألة ومراجعة العرف والمفاسد المتوقعة التي قامت عليها الفتوى.
هنا لو أردنا عملاً مجتمعياً جديداً يفرز لنا رؤية حديثة للمسألة وتكون إما إقراراً للوضع السابق أو تغييراً فيه فلابد أن يكون ذلك بشكل سلمي تصالحي يتدارس فيه المجتمع قضيته ويطرح أسئلةً تأسيسيةً مهمة للبناء على محصلتها، ويرفع السياسي يده عن الموضوع ويقضي الشرعي فيه بالحق دون مواربة ويحترم التغريبي مجتمعه ويتذكر أن القضية هنا على الأرض وليست في الدول المتحدثة بالانجليزية أو الفرنسية التي يطرح القضية من خلال ثقافتها وحكوماتها!
ولعلي هنا أضع بعض الأسئلة التأسيسية كمثال لما أرمي إليه:
  1. ماهو الأصل في المسألة؟ وذلك للإجابة على الجانب الشرعي والحقوقي الصرف.
  2. هل يقع هذا الحق - إن وجد - تحت حق القوامة سواءً الفردية أو المجتمعية؟
  3.  لماذا يصر الشرعي على الرفض والتغريبي على السماح؟
  4. هل يثق الجميع بالسياسي (ليتحمل مسؤوليته ويقول كلمته بشجاعة) فيوكلون الأمر إليه ويقبلون حكمه؟
  5. ماهو تصور مؤسسات المجتمع والنشطاء والمثقفين ورجل الشارع؟
  6. أين رأي المرأة من كل ذلك؟ وهل هو معتبر؟
  7. هل تغير المجتمع فعلاً؟ هذا سؤال مهم لأن التغريبيين اليوم يراهنون على أمرين أساسيين القرار السياسي  ويستدعون الغرب بقضه وقضيضه لدعمهم في التأثير عليه، والتغير المجتمعي الذي عملوا عليه مؤخراً باحترافية من خلال تجنب الاصطدام بالشرعي قدر الإمكان وإثارة الشُبه حول رأيه، والعمل على إبراز فوائد القيادة وإظهار الأمر على أنه تطور حتمي ليركض خلفه اللاهثون وراء الصورة العصرانية، وإظهار صورة معينة للمرأة المطالبة بالقيادة تسترحم المجتمع ولاتحاول مصادمته، وهي ليست سافرة فقط بل منقبة ومحجبة.

رأيي الشخصي:

حاولت فيما سبق أن أقدم قراءتي المقتضبة للمشهد كمواطن سعودي بسيط يراقب الأمور بشيء من الوعي والمنطق ومن خلال هذه القراءة يظهر رأيي الشخصي وقد دونته هنا للتخلص من النقاشات المملة حول الموضوع فأحيل إليه كل من أراده، وزيادة في التوضيح أضعه في نقاط محددة.
  1. مناقشة المسألة وإثارتها حق طبيعي للجميع أما استخدامها لإقلاق المجتمع وابتزازه فهي خطيئة كبرى وخطة قذره.
  2. جانب المطالبين مريب جداً وله اتصالات مباشرة بالغرب ويعمل كأنه يعمل بالوكالة عنه.
  3. جانب الرافضين استمات في الدفاع عن المسألة ووضع الكثير من بيضه في سلتها ثم سلم لحيته للسياسي الذي جعله في حيرة لايدري مايُفعل به.
  4. لاثقة لدي أبداً في التوجهات الحكومية مؤخراً ولا أستطيع تفسير الأمر بدقة لكنني أرى فعلاً تغريبياً بامتياز.
  5. يتعرض المجتمع اليوم لضغوطات ومؤثرات كبيرة وبدأت فيه أمراض تحتاج إلى علاج سريع قبل أن تستفحل فيُنكر فئام منه المعروف ويُعرّفون المنكر.
  6. لابد للمجتمع من مراعاة احتيجات المرأة وتفقدها والاهتمام بهمومها ومظالمها عملاً بما يحثنا عليه ديننا وقطعاً للطريق على كل خبيث ومخرب.
  7. أما فيما إذا كنت مع أو ضد فإنني أعلقه برأي المجتمع عندما يقرر بأريحية تامة في حق نفسه وفي جو أكثر هدوء وحرية.

اللهم احفظنا واحفظ ديننا وبلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ووفقنا لما اختلف فيه من الحق . . آمين


الأربعاء، 11 أبريل 2012

الخلاف السعودي الأمريكي حول سوريا


بسم الله الرحيم الرحيم
الوضع السوري
مازالت سوريا ترزح تحت وطأة جبروت نظامها المجرم، كل مدينة أو قرية تتحرك فيها المطالب شعبية تغزوها قطعان الشبيحة وإذا حاول المواطنون الدفاع عن أنفسهم غزتهم دبابات الجيش ومدفعيته وسحقت التحرك.
في سوريا اليوم تواجه الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات السلمية بالجيش، والنظام الذي ولغ في الدماء مازال يتخبط فيها ويمني النفس بالاستمرار في حكم البلد مخدراً بحالة من السكر والانفصال عن الواقع نموذجية ومسجلة باسم الأنظمة الديكتاتورية.
من جهة أخرى لم تبلغ المعارضة السورية حتى الآن مرحلة النضج والقوة المأمولين منها ولن أدخل هنا في الأسباب لكنني أعرض الواقع، كما أنها بدأت تعاني تشظيات قبل حتى أن تبدأ عملها السياسي، أما الجيش الحر فهو الآخر لم يبلغ العدد المتوقع ولم يحصل حتى الآن على السلاح اللازم بل أنه بدأت تظهر فصائل مقاتلة أخرى منافسة له.
أما الشعب السوري فيبدوا أن القمع الوحشي قد مزق الثورة ويحاول شرذمتها فمازالت دمشق هادئة في الغالب وريفها تحت السيطرة وحلب لم تتحرك على النحو المأمول أما حمص وحماه ومناطق الأطراف يتم تهدئتها بشكل وحشي عند أي حراك بينما الحل يكمن في ثورة شاملة عارمة متضامنة وحتى الآن لم تصل الثورة إلى هذا الحد والسبب الإجرام الأمني.
ماذا تريد أمريكا؟
يتعجب المتابع اليوم من ضعف الموقف الأمريكي والعجز الدولي أمام النظام السوري، فمن خلال خبرتنا بالصلف الأمريكي فإننا نعلم أن أمريكا شنت حروباً منفردة وفرضت قيوداً دولية واستصدرت قرارات أممية دون انتظار أحد بل أنها تجر العالم كله خلفها حيث تريد، إذاً أين هذه الفاعلية من الوضع السوري؟
تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية تقول أن الوقت لم يحن بعد ! ولا أعلم ما الذي يمنع من فرض حظر جوي مثلاً إلا أن أمريكا ليست مستعدة حتى لخوض معركة دبلوماسية من أجل هذا القرار، كما أنها لم تتفان لدعم الثوار السوريين إلكترونياً كما فعلت مع ثورات أخرى، وتصريحاتها ليست في مستوى الحدث.
والعجيب أن الدول الأخرى تدور مع أمريكا في نفس الدائرة فهي إما رافضة أو صامتة ولكنها في النهاية لاتفعل شيئاً، حتى الجار التركي الذي كان يتوقع منه الكثير خاصة بعد الجعجعة التي أطلقها لم يكلف نفسه بإنشاء منطقة عازلة محمية داخل حدوده لتوفير منطقة آمنة للمدنيين أو الجيش الحر.
التفسير الوحيد لكل ذلك يكمن في أن أمريكا لاتريد التدخل لإسقاط النظام الآن وأعذارها جاهزة طبعاً فتارة تحتج بأن المعارضة السورية ليست ناضجة، فهل كانت المعارضة الليبية ناضجة؟
وتارة تحتج بالخوف من مآلات السلاح إذا ما استخدمه الجيش الحر اليوم في القضاء على النظام فأين سيذهب غداً، والرد أن الجيش الحر سيحصل على سلاح الجيش السوري نفسه لو أسقط النظام فهل يعني هذا أن تتوقف الثورة؟ كما أننا نقول وأين ذهب سلاح الثوار الليبيين؟ وهل عرفت أمريكا مآلاته قبل وصوله لهم؟
والحجة السخيفة الأخرى أن أمريكا تخشى من حرب أهلية في سوريا، وأعتقد أن ماتفعله أمريكا يعزز هذا الاحتمال ولاينفيه.
إذاً إلى أين تريد أمريكا أن تصل بسوريا؟ إن النهاية الطبيعية لاستمرار الوضع الحالي في سوريا وهو مرشح للاستمرار فترة تعتمد على طول نفس الثوار حيث أن النظام مايزال قوياً ومادامت الثورة لم تصل إلى المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية والجيش مايزال أداة طيعة في يد النظام والمجتمع الدولي لم يجد توجهاً قوياً من أمريكا ليسير في ركابها فسيستمر الحال القائم فترة طويلة.
من شأن هذه الفترة أن تعمق الجروح وتعزز الطائفية وتضعف النظام وتفكك المجتمع وتجعل البلد جاهزاً لأن يدخل في نفق النزاع الأهلي بعد أن يتم شحنه بالثأر ويعتاد رائحة البارود وأصوات المدافع.
ستسمر القوى الإقليمية في دعم الثوار وتزيد قوتهم وتسليحهم وتصبح المقاومة أشد شراسة وأكثر احترافية وتبدأ العمليات النوعية بدخول الخبراء المتسللين عبر الحدود ووصولهم إلى الثوار، كما سيستمر أصدقاء النظام في مده بالسلاح والدعم.
سيتم إنهاك البلد تماماً وبعدها تقطيع أوصاله بالممرات الآمنة ليتم خلق واقع جغرافي بحدود واضحه ثم لتدخل سوريا في دوامة الضياع . . هل تذكرون لبنان عندما دخل نفس الدوامة؟ كان العدو الصهيوني حينها في أمان بحراسة لبنانية!
لايريد العرب رؤية قوات أجنبية مرة أخرى داخل حدودهم فغزو العراق يكفيهم لقرون ولكن هل يريدون عراق أخرى بنكهة لبنانية وبدون الوجود الأجنبي؟
ماذا تريد السعودية؟
تدرك المملكة العربية السعودية جيداً الخطر المحدق بسوريا والمنطقة وهي مدركة لقذارة اللعبة الأمريكية الهادفة لإنهاك العرب من جهة وتطويق الخليج وإذلاله من جهة أخرى، والسعودية كدولة ملكية تقليدية فهي غير راغبة أبداً في تغيير خرائط المنطقة والعبث بأمنها وهي مستعدة لفعل المستحيل للحفاظ على استقرارها ووضع التوتر في حده الأدنى.
أعتقد أن المملكة كانت تفضل بقاء النظام السوري شريطة أن يعدل من سلوكه التصادمي مع الدول العربية ومع شعبه بينما بإمكانه الاستمرار في لعب دور المقاوم والممانع لأمريكا ولكن دون الإضرار بالمصالح السعودية ولكن يبدوا أن هذه اللعبة التي أتقنها الهالك حافظ الأسد أكبر من قدرات الغر بشار.
ومع تغول النظام السوري وإصابته بعدم الاتزان وسلوكه طريق الدمار كان أمام السعودية خيارين إما الاستسلام للخطة الأمريكية أو مقاومتها كما حصل في البحرين.
ربما يبدو الموقف السعودي متماهياً مع الموقف الأمريكي في إدانة النظام السوري والمطالبة بحقوق الشعب السوري، ولكن الحقيقة أن السعودية تريد إنهاءً سريعاً وحاسماً للنظام قبل تعزيز خيار الحرب وحمل السلاح عند المواطن العادي الأمر الذي ربما ينتهي بسوريا بعد سقوط نظامها إلى وضع بين الوضعين العراقي واللبناني.
المشكلة أن السعودية لاتملك الأدوات الكافية لتطبيق رؤيتها وهي تحاول جاهدة لحشد التأييد العالمي للتحرك نحو حل سريع ومازال المتابع العادي والمتخصص مذهولين من موقف المملكة التي لم نعتد منها هذه المواقف القاسية فهي تحاول دائماً استخدام القوة الناعمة والوكلاء لتنفيذ رغباتها دون إثارة حول اسمها، ولكن يبدو أن القضية اليوم قضية مصيرية والمملكة غير مستعدة للوقوف متفرجة على العبث الأمريكي.
ماذا في الأفق؟
أتمنى شخصياً أن تتمكن المملكة ودول الخليج من الدفع باتجاه الحل السعودي ولا أظن أن هدية الدرع الصاروخي المقدمة لأمريكا ستكفيها للدفع باتجاه الإسراع في إسقاط النظام السوري مع الحفاظ على وحدة البلد، بإمكان أمريكا قلب أية معادلة وهي قادرة حتى على إسكات الروس بتحريك الاضطرابات الروسية مرة أخرى بدعم المعارضة الروسية، ولايمكن الحصول على تحرك أممي دون أمريكا وما حال ليبيا عنا ببعيد حيث عجزت أوروبا عن المضي قدماً في حربها ضد القذافي ودعم الثورة دون المساعدة الأمريكية.
للأسف هذه حقيقة الوضع . . والظاهر حتى الآن أن أمريكا لاترغب في ذلك، لذلك فإنه على العرب والشعب السوري إيجاد الحل بعيداً عن أمريكا . . وكان الله في عون الشعب السوري.

الثلاثاء، 10 أبريل 2012

لا للرسوم


بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة الأراضي الغير مستغلة داخل النطاق العمراني
لا أظن أنه يوجد من لايعلم ماهي مشكلة هذه الأراضي وتأثيرها السلبي على الوضع الاقتصادي العام فقد أشبع الموضوع تحليلاً وتنظيراً من كل من يستطيع الكلام أو الكتابة وتصاعدت القضية بزخم كبير دافعه الأثر المحسوس بشكل مباشر على معايش الناس بكافة فئاتهم.
وقد كتبت بدوري عن المشكلة ورفضت طرح حلول لها إلا بعد دراستها من قبل متخذ القرار ثم يتم تصميم حل مناسب لاتنتج عنه مشاكل أخرى.
أما موضوعي اليوم فهو مشكلة أخرى تتعلق بأحد الحلول المقترحة وارتباطه بالزخم المتصاعد للقضية.
الزخم المتصاعد
السبب المباشر لهذا الزخم هو مشكلة غلاء السكن وارتباطها بشكل أساسي بأسعار الأراضي، ورغم تذمر المواطن منذ سنوات من تباطؤ وتيرة منح الأراضي وقروض الصندوق العقاري إلا أن الغلاء اليوم قد تجاوز كل الحدود حتى بلغ بالمواطن حد اليأس وبدأ يؤثر حتى على أصحاب الأعمال وأضحى الهم اليومي والهاجس السنوي عند تجديد عقود الإيجار.
تحولت شكوى المواطن لقضية ساخنة خاصة مع انفتاح وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتبني عدد من الاعلاميين والنشطاء الاجتماعيين لهذا الموضوع.
هنا أصل بدوري إلى المسألة التي أناقشها في هذا المقال وهي الحل الجاهز الذي يطرح من جموع الناس وهو الرسوم (ضرائب) مدعوماً بهذا الزخم الذي يمثل لي هاجساً بحد ذاته.
كيف يكون الزخم مشكلة؟
عندما تظهر أية مشكلة اجتماعية أو اقتصادية فإن متخذ القرار عادة يتأملها وينظر في الحلول الممكنة لها ثم يضعها على الرف، والسبب في ذلك أنه ينتظر الوقت المناسب لطرح هذه الحلول فالتوقيت المناسب جزء من الحل كما أنه إذا لم يجد مطالبة حقيقية بحل المشكلة فإنه سيترك المشكلة وحلولها على الرف لأنه لايرغب باتخاذ خطوات تضطره إلى التحرك فلكل حركة تكلفة وإن لم تكن التكلفة مالية فهي سياسية.
وبالتالي فإنه عند تصاعد الزخم حول أية مشكلة وبلوغه مرحلة المطلب الشعبي الملح (حقيقياً كان أو مصطنع) فإن التكلفة تنخفض على متخذ القرار وتتحول إلى الجانب الايجابي فمادامت الأكثرية ستؤيد الحل فمن الممكن الضغط على الأقلية المتضررة (في حال وجود متضرر من الحل).
المشكلة في نظري أن هذا الزخم الشعبي الكبير يأتي دون وجود حل متكامل والجموع الهائجة تطالب بحل جاهز هو الرسوم والرسوم في حد ذاتها مغنم كبير لأية حكومة ومغرم جسيم على الاقتصاد مؤوسسات وأفراد ومادة مخدرة قوية لو تعاطاها أي مسؤول في الدولة لأدمنها ونقل عدواها إلى جميع أقرانه، فياليت شعري كيف يضع الناس رقابهم تحت سيف الضرائب قانعين ظانين فيها الفرج؟ بل كيف يتمنى البلاء من سلمه الله منه؟
لعنة الرسوم (الضرائب)
الرسوم ضرب من الضرائب تسمى حيناً ضرائب غير مباشرة وأحياناً تكون مباشرة كما في حالتنا هذه، والضرائب عادة تصمم لتحقيق أهداف اقتصادية شتى إما لتحفيز قطاع معين وتنشيطه أو تحجيم آخر وأحياناً لأغراض تمويلية بحتة لصالح الحكومة ومشاريعها.
والواقع أن الرسوم موجودة ومطبقة في نطاقات محدودة جداً في الاقتصاد السعودي وتأتي بمبرر أنها مقابل خدمة حكومية معينة وأنها لاتغطي تكلفة الخدمة في معظم الأحيان.
في الفقه الإسلامي تعتبر الضرائب بأنواعها من المكوس المحرمة وتكيف على أنها اعتداءٌ على مال المسلم دون وجه حق وظلم بين، أما من أجازها من الفقهاء فقد أجازها بشروط متشددة منها أن تكون لغرض محدد عجز عنه بيت مال المسلمين وأن تكون مؤقتة محدودة بهذا الغرض.
إذاً فأول بلاء في الرسوم أنها محرمة شرعاً وثانيها إدمان الأنظمة الحكومية لها !
الحكومة وإدمان الرسوم (الضرائب)
 من الأمور التي يسعد بها أي مسؤول حكومي تضخيم ميزانية القطاع الذي يتولاه من جهة والتقتير في النفقات من جهة أخرى! وهذه معادلة يعرفها كل مطلع على عقليات المسؤولين الحكوميين الفذة حيث أنهم يحسون بالأهمية بزيادة ميزانية إداراتهم وفي نفس الوقت يتفاخرون بقدرتهم على تخفيض النفقات.
كما أن بيروقراطيي الحكومة يقدسون الحلول الجاهزة التي لايتعبون أنفسهم في ابتكارها وستكون الرسوم هدية لا أظنهم يحلمون بها فهي تمكنهم من السيطرة على المستفيدين من خدماتهم وزيادة إيراداتهم في نفس الوقت.
لو تبنى متخذ القرار حل الرسوم المقترحة على الأراضي مؤيداً بهذا الزخم الشعبي فإنه (في تقديري) سيركب الموجة الشعبية ويستغلها لترسيخ مبدأ الضرائب في كيان المجتمع ثم تكر السبحة فتجد الرسوم أمامك عند مواجهة كل مشكلة.
ستستخدم الرسوم مستقبلاً مثلما يستخدم التعهد اليوم، فقد كان التعهد في يوم من الأيام حلاً بيروقراطياً ألمعياً لمشكلةٍ ما ثم أدمنته المنظومة الإدارية، واليوم صار الحل إجراءات والتزامات في معاملة كل مواطن حتى وصلنا إلى مرحلة يندر معها إنجاز معاملة حكومية دون توقيع عدد من التعهدات !
ومن العجيب أن بعض الجهات الحكومية استبقت كل ذلك وكانت تفرض رسوماً بقرارات إدارية غير ملزمة نظاماً للمواطن حيث أنها لاتستند إلى مستند نظامي، ورغم ذلك فقد كانت تجبي هذه الرسوم حتى يرفض أحد المواطنين أو ترتفع المسألة لجهات إدارية أعلى فتنتهي المسألة بأن يتم لفت نظر الإدارة الفارضة للرسوم بعدم نظامية الإجراء نفسه !
فهل نرغب فعلاً في فتح الباب لأحبابنا البيروقراطيين ليلتهموننا أحياءً معززين بقوة النظام وسابقة رسوم الأراضي وكسر الحاجز الشرعي والشعبي من خلال الزخم الهادر؟
ماذا عن الزكاة؟
جباية الزكاة على الأراضي المخططة أو غير المخططة الواقعة داخل النطاق العمراني أو خارجه مسألة شرعية قد أبدت جهة الفتوى الرأي الشرعي فيها والقضايا الشرعية إذا كانت ثابتة فلانقاش حولها إنما يلزم متلقيها السمع والطاعة والعمل بمقتضاها.
ولعل الزخم الشعبي يوجه للمطالبة بحل شامل مدروس يتضمن البدء بتطبيق زكاة الأموال الظاهرة على هذه الأراضي بعد تحديد الضوابط لهذه المسألة والله المستعان.

السبت، 4 فبراير 2012

فتاة الحي اللعوب . . هل تتوب؟


بسم الله الرحمن الرحيم

ولدت في بيت بسيط صغير ولكنه شريف . . لم يكن له هوية! أب بدوي وأم بحرية! . . لم يكن أحد يستطيع أن يقرر إن كانت جميلة أم لا!
كانت الجملة التي تصفها عادة أنها لا بأس بها . . هكذا  لابأس بها . . هي أيضاً ليست قبيحة !
تنمو بشكل معقول جسد صغير وفكر محدود لم تكن ذكية ولكنها ليست بالغبية!
كانت مشكلة حقيقية فهي ليست بدوية ولاحضرية، أبوها ابن قبيلة عظيمة وأمها ابنة عائلة كريمة ولكنها لاتنتسب إلى أكثر من جد رابع، لاجميلة ولاقبيحة، ليست مرحة ولا ثقيلة . . إلى آخر سلسلة اللاشيء واللاهوية وإن شئت فقل الهلامية.
راهقت البلوغ . . كانت عجينة جاهزة للتشكل . . لو تركت لحالها لترعرعت بسيطة نقية ولعاشت مثل غيرها من بنات مجتمعها طيبة نقية متدينة بدين البسطاء تصلي وتصوم وتفعل الخير . . تصون عرضها وتعمل بأرضها وتتزوج وتربي ولدها.
في يوم من الأيام في ثورة البلوغ . . وحين كان البلوغ في عرف من مثلها تأجج للحياء ونمو للشعور بخصوصيتها كأنثى كان لها موعد آخر مع الضياع.
قررت أن تغير حياتها . . رغبت في المجهول . . أرادت أن تكون جميلة ومحبوبة ومرغوبة . . أرادت أن تلفت الأعناق إليها وترهق الأقدام وراءها . . انتكست فطرتها أظلمت روحها اسود قلبها . . ماذا أصابها؟
أثناء كل ذلك ماتت أمها وبعدها بقليل وقع أبوها في قليب البيت وبدأت الشائعات أنها هي من دفعه إليه . . يقال أن ابن الجيران قد شاهد ذلك بنفسه لكنه كان طفلاً صغيراً جداً لاتقبل شهادته هذا مايشاع !!
خلا لها البيت سها عنها الجار انفلت العقال امتزج كل ذلك بروحها الظلامية الضالة المستعرة . . وابتدأت حبكة القصة . .
هاهي ذي بدأت تخرج متزينة في كل يوم أكثر من سابقه . . أخرجت كنز أبيها.
إنه نفس البئر الذي يقال أنها دفعته إليه . . هو نفسه مكان الكنز، ولكن بيتها بقي هو البيت الصغير وحيها هو الحي البسيط وجوارها هو نفسه لم يتغير ولكن طموحها يزيد وأفكارها المنحرفة لايشاركها فيها أحد من بنات الحي، أما أبناء الحي فينظرون إليها بريبة . .
خروجها المتكرر بزينتها التي تزيدها فتنة ولكنها لاتزيد جمالها المحدود . . تغنجها بالكلام حيناً وتنمرها على الرجال حيناً آخر لم يرغبهم ولم يرهبهم وبقيت هي ذات الفتاة الصغيرة التائهة بين طرفي كل حالة فلا هي مغرية مرغوبة ولا هي متروكة مهملة، ولاهي محترمة مقبولة ولا متنمرة منبوذة . .
إنها قصة الضياع . . هكذا سمت نفسها يوماً في نوبة بكاء مر في خلوة أخرى من خلوات الفشل عندما قيمت نفسها أمام المرآة . .
ومع ذلك فقد نجحت في إثارة الجلبة وإزعاج الجميع وعرف الجميع بوجود فتاة جديدة . . ولكنها استمراراً لقصة ضياعها لم يعتبرها أحد عفة ولم يعتبروها فاجرة ولم يعرفوا ماذا تريد ولكنهم فهموا أنها مزهوة بشبابها وأنها غير منضبطة . .
لقد نجحت فتاة قصتنا اللعوب في إثارة مدعي الفحولة في الحي وبدأوا في التقرب منها ليقال أنهم فحول رغم أن أحداً لم يقل أنها أنثى كاملة كما لم يقل أحد أنهم فحول حقيقيون . . لقد كان الجميع يعرف من تكون ومن يكونون . . إنهم جمل أخرى في قصة الضياع . .
لم يعد لها من بد إذاً من فحل مستورد لتثبت ذاتها . . فحل يعرف الجميع أن له صولات وجولات . . يقطن هناك . . بعيداً عن الحي الهاديء . . هناك في الأحياء الكئيبة المظلمة.
بالتأكيد لم يرده أحد في الجوار ولكن هاهو قد جاء وصار يبيت عندها . . أخيراً صار لها هوية . . أصبحت فتاة حكايتنا اللعوب أخيراً فاجرة . .
هاهم الجيران أقبل بعضهم على بعض يتلاومون . . أحسوا بالخطر . . وبالأخص جار المسجد وخادمه المتدين . . هل ستنازعه داره أم تنازعه مسجده أم تنازعه دينه؟ . . إنها فاعلة لامحالة . .
زادت فاجرة الحي في فجورها وتوسعت في جمع أشباه الفحول والمراهقين وبدأت تتطاول على الجيران القريبين والبعيدين . . بدأت تجمع عهرها وتطرحه كفكر هي رائدته . . كنز البئر لاينضب . . مازال يتدفق . . جملت دارها الصغيرة . . أصبحت أكثر صخباً . . لقد أصبحت فاجرة صاخبه . . !
لاحدود لفجور فتاة حكايتنا . . هاقد بدأت نشاطاً جديداً هي الآن تشارك فحلها المستورد في إفساد البيوت وتفكيك العوائل . . بالمال بصخبها بتعدي فحلها المستورد بغباء أشباه الفحول والمراهقين الذين ضللتهم، جوقة من الفسقة تسلطوا على البيوت القديمة المهلهلة وهاهم يدمرونها بحجة إصلاحها وفتحها للشمس والهواء والنور ولكن مالم يقولوه أنهم يريدونها مرتعاً لذلك الفحل الأجنبي المستورد . .
لا أدري ماهي نهاية الحكاية . . ولكن ما أعرفه أنني رأيت تلك الفاجرة البارحة وقد لبست حجاباً طلقته منذ طفولتها وأخذت مصحفاً خطته بيدها وجلست بين بيت خادم المسجد ومسجده وأخذت ترفع صوتها بالتلاوة والذكر . .
هل اهتدت؟ ولكن مازالت جوقة الفجار في بيتها . .
هل آبت؟ ولكن مازال صخب بيتها لاينخفض . .
هل ارعوت؟ ولكن ماتزال تعابير وجهها وجسدها تنضح فجورا . .
قصتها لم تكتمل . . سيخط المستقبل بنفسه النهاية

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

لايوجد حل واحد لمشكلة الأراضي

                  بسم الله الرحمن الرحيم

كتبت يوماً عن أسباب المشكلة وكيف بدأت وأعتقد أن علينا كأصحاب رأي الحديث حول المشكلة وأسبابها أكثر من طرح الحلول، ورغم أن طرح الحلول قد يفيد في تجميع الأفكار والاستفادة منها من قبل صاحب القرار إلا أن الحل يبقى بيده وكل كلام يقال حول الحلول لن يكون له قيمة إذا لم يتحرك صاحب القرار.
ومع ذلك فالناس تسأل دائماً عن الحل فقط ولاتهتم بتشريح المشكلة لأنهم يرون نتائجها وينتظرون الخلاص فيتساءلون دائماً ماهو الحل؟
لايوجد حل
عندما تنمو المشاكل الاقتصادية وتتسبب في تشويه المشهد الاقتصادي بل وتعطيل الاقتصاد أحياناً أو توجيهه في اتجاه خاطيء وخلق سلسلة من التفاعلات السيئة التأثير فإنه لايمكن حل هذه المشاكل بقرار واحد.
إن الحلول في مثل هذه الحالات تحتاج إلى تصميم وهندسة متكاملة بحيث نصل إلى النتائج المرجوة دون زيادة مشاكل الاقتصاد، فمن المسلم به عند الاقتصاديين أنك تستطيع دائماً طرح حلول سريعة لكنها إن لم تكن ضمن حزمة إجراءات فإنها ربما تتجه بك إلى عكس النتيجة المرجوة.
كما أن بيئات الأعمال قادرة دائماً على العبث بأية قرارات وتعطيلها والالتفاف عليها طالما لم تعضد بحزمة من الإجراءات والأنظمة، والتي توضع بدورها بعد دراسة متأنية.
صحاب القرار
عندما نتكلم تحديداً عن مشكلة الأراضي والحلول المأمولة فإننا لابد أن نتطلع نحو صاحب القرار في هذه المسألة والقرار عندنا إما أن يكون عن طريق الأجهزة الحكومية التقليدية أو عن طريق رأس الهرم مباشرة، ولنتأمل قليلاً في هذين الطريقين.
أولاً: الأجهزة الحكومية
الحقيقة أن هذه الأجهزة ترزح تحت ضغط بيروقراطيتها المعتادة وهي غير قادرة على تسيير أمورها الإدارية بشكل أكثر فعالية فضلاً عن تتبع احتياجات المواطن وطرح الحلول وتنفيذها.
كما أن هذه الأجهزة تمثل دائماً دور الممانعة أمام أي قرارات فيها توسعة على المواطن بحجة توسع الصرف وعدم توفر الكادر ولاتكلف نفسها البحث عن حلول بديلة أقل تكلفة، بل أنها قد وصلت إلى مرحلة تأخير القرارات الملكية العاجلة ولوكها داخل أروقتها لتعيدها لنا بعد أن تسلب فرحة المواطن بها ثم تصدمه بسلب مضمونها وتحويلها إلى إجراء بيروقراطي آخر يزيد معاناة المواطن.
لا أثق أبداً في هذه الأجهزة ولا أنتظر منها أية حلول وإن كنت لا أغمط حق بعض فروعها في العمل على تحسين خدماتها عند وجود ضغوط كبيرة من القيادة أو من المواطنين والصحافة ووجود إداريين منفتحي التفكير سرعان ماتفقدهم الجهات الحكومية لاختلاف نوعية تفكيرهم الإبداعي عن بيروقراطية الشلل المزمن.
ثانياً: رأس الهرم
يتمثل رأس الهرم في خادم الحرمين الشريفين والديوان ومن يختارهم لإنجاز أعماله المستعجلة، وهذه المؤسسة – إن صح وصفها بالمؤسسة – هي أكثر فعالية وقادرة على إعادة صياغة مستقبل البلد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل حتى الديني، وفي اعتقادي أنها تعمل بشكل جيد وسريع وفعال عند توفر الإرادة، وهي قادرة على مواجهة أي تحديات من الممكن ظهورها أمام أي قرار مدعمة في ذلك بالنظرة الشعبية والدينية المتمثلة في أدبيات السمع والطاعة لولي الأمر.
وإن كانت هذه المؤسسة في النهاية مؤسسة قرار وليست مؤسسةً تنفيذية وبالتالي فلابد من العودة إلى مربع الحكومة ولكن عند اتخاذ القرار فإن الحكومة وقتها ستكون منفذاً فقط وإن كان ذلك ببطء ولكن المهم أن يصدر القرار.
أرى تحت الرماد وميض جمر
مادام التوجه إلى رأس الهرم مباشرة أجدى وأنفع فإنه لابد من تكثيف الجهود لإيصال صورة واضحة لخادم الحرمين الشريفين للبدء بدراسة الوضع وتصميم الحل المتكامل، لقد كتبت حتى الآن مئات الصفحات واليوم بدأت تظهر أفلام تشتكي الوضع وماعلى الشخص إلا البحث في الموضوع ليجد عدداً مهولاً من المقالات والتعليقات والأفكار وكل ماعلى صانع القرار هو إعادة الأمل بتبني المشكلة.
المشكلة في نمو وبدأت بالتأثير سلباً على جميع مناحي الحياة في البلد وأخص منها نفسيات الشباب الذين بدأوا يوصفون المشكلة بأنها انحياز إلى أصحاب المصالح لبقاء الوضع على ماهو عليه بل وتفاقمه، وربما يصلون إلى نتائج أخرى أكثر سوداوية حتى لو لم يكن لها سند من منطق أو واقع ولابد من إيقاف هذا الإحباط وإعادة الأمل إلى نفوس الشباب.
إذا كان هنالك انحياز فلابد أن يكون للشباب والأكثرية، والتوجه إلى تصميم مستقبل منحاز إليهم هو عين العدالة فمن غير المعقول استمرار وضع خاطيء نشأ عن ظروف تاريخية بحجة أنه أمر واقع فالأمر الواقع لمن أراد رؤيته هو ملايين الشباب المحبط.
ولعلي أترنم هنا ببيت لرجل حكيم قال يوماً:
أرى تحت الرماد وميض جمر          ويوشك أن يكون له ضرام
المعلومة الصحيحة = الإجراء الصحيح
لايمكن لأي جهة أن تبدأ في تصميم الحلول والإجراءات السليمة لهذه المشكلة إلا بتوفر المعلومات المناسبة والدقيقة حولها، وهنا نجد أن التعداد قد جمع كماً كبيراً من المعلومات حول حجم المشكلة ولكن عند النظر إلى الآليات التنفيذية لحل مشكلة الأراضي فإن هذه المعلومات محدودة الفائدة.
وبالتالي فإن معالجة المشكلة تحتاج إلى معلومات دقيقة حول حجم الأراضي والصكوك المصدرة وماتمت الاستفادة منه من عدمه وكيفية تملك هذه الأرض (شراء مباشر، هبة، منحة) وتاريخ شرائها . . إلخ
المشروع الوطني لتسجيل العقار
إن الخطوة العملية الأولى لتكوين قاعدة من المعلومات الدقيقة هي في تجميع المعلومات العقارية كاملة في إهاب واحد وحفظها بشكل إلكتروني قابل للتحديث المستمر وتجميع جهود الأمانات المبذولة في هذا الاتجاه.
فكما أن الأمانات تقوم بحصر العقارات وأنواعها بشكل دائم فلابد من حصر الأراضي وتوثيق ملكيتها عبر إطلاق مشروعٍ وطنيٍ لتسجيل العقار يعمل على توثيق كامل المعلومات الخاصة بالأراضي، وأعتقد أن مجرد الإعلان عن هذا المشروع من شأنه خفض أسعار الأراضي لأنه سيعطي مؤشراً للأسواق أن صانع القرار ينوي التدخل لحل المشكلة.
إن الإعلان عن مشروع من هذا النوع وتحديده بمدة زمنية يتم خلالها مراجعة مراكز توثيق يتم إنشاؤها في المحاكم لتسجيل الصكوك إلكترونياً تحت رقم السجل المدني للمالك سيضع أمام صانع القرار المعلومة بشكلها الحقيقي (القبيح) ويمكنه بعد تحليل البيانات التوجيه بتصميم الحل المناسب.
بإمكاننا الإنتظار لحل المشكلة ياحكماء البلاد ولكن أرونا أنكم تريدون ذلك.