الجمعة، 23 يناير 2015

سانحة حول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز

بسم الله الرحمن الرحيم
فهد بن عبد العزيز
سأبدأ كلامي عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحاكم السادس للدولة السعودية الثالثة بالكلام عن سلفه فهد بن عبدالعزيز ليكون توطئة يسهل بها جمع أطراف الموضوع.
ولدت في عهد الملك خالد ولكنني كنت حينها طفلاً صغيراً وأدركت في عهد الملك فهد حتى أصبحت رجلاً، وهذه طبيعة الملكيات المستقرة يقضي المرء فيها عمراً كاملاً لايعاصر سوى ملك أو اثنين وولي العهد محدد سلفاً وربما كانا وليا عهد كما في الحالة السعودية.
عهد الملك فهد كان متميزاً جداً فقد حكم الرجل البلد بالفعل في عهد سلفه الملك خالد حين كان ولياً للعهد ثم جاء عهده وهو في كامل صحته فكان مسيطراً على الأمور متمكناً من كل شيء وكانت صورته عند الشعب أنه الحاكم القوي والسياسي البارع والرجل المخيف!
نعم كانت حقيقة الشعور نحوه تقوم على الخوف والرهبة مع شيء من الثقة والإعجاب، كان الملك فهد ومازال رمزاً للسيطرة والقوة وقد أعطاه هذا نوعاً من الاحترام.
ولي العهد
بسبب طول فترة حكم الملك فهد والتي قاربت الربع قرن ووجود الأمير عبدالله حينها كولي للعهد فقد ارتبط هذا اللقب به ورسخ في أذهاننا حتى بعد توليه الحكم ولقوة الملك فهد والصورة الراسخة عنه فقد كان الأمير عبدالله يمثل للجميع الرجل البسيط القريب لطبيعة الناس ذو الشخصية البدوية صاحب النزق والمغامرات، وكان بهذه الصورة محبباً لجميع المواطنين.
لم يعرف عن الأمير عبدالله الفساد المالي الذي اشتهر به بعض الأمراء، كما أنه كان محباً للشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين بل أنه كان كثير التواصل معهما وكان يشاع أنه لايخالف لابن عثيمين كلاماً أبداً، وبذلك كان الأمل كبيراً في أن يكون هذا الأمير حافظاً للإرث الديني المحافظ مصلحاً لأمر الدولة حافظاً لأموالها.
انتقال الحكم
لم تكن آخر سنوات حكم الملك فهد جيدة بل كانت نموذجاً للضياع فقد مرض الرجل ولم يعد يدرك ماحوله ومع ذلك كانت تصر وسائل الإعلام المحلية على تلميع صورته وإظهاره بمظهر المسيطر المتمكن رغم أن الصورة كانت أبلغ من كل دعاية زائفة، كما أن التصرف الفعلي في تلك السنوات قد انتقل إلى أصغر أبناءه الذي حول الديوان الملكي وكل مايختص به إلى مهزلة حقيقية ولعبة في يده حتى تبرم المواطن والمسؤول وحتى أبناء الأسرة الحاكمة من عبثه.
هنا يظهر دور الأمير عبدالله عندما بدأ يسيطر على الأمور ويتهيأ لاستلام الدفة ويقوم بالزيارات اللازمة للعواصم الرئيسية حتى يوم استلامه لمقاليد البلاد لسوء الحالة الصحية للملك فهد حينها تنفس الناس الصعداء أملاً في الخلاص من عبث الغر الذي سبب فوضى صبيانية في البلد.
وبعد سنة من الإشاعات المتواصلة حول وفاة الملك فهد وبلبلة عند العامة حول ولاية العهد توفي الملك فهد عام 1426هـ الموافق 2005م لينتقل الحكم بصورة طبيعية سلسة إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ورغم أنه حينها كان يناهز الثمانين إلا أن الآمال كانت كبيرة وكنا ننتظر الكثير واستبشرنا بالعهد الجديد.
أذكر حينها في إحدى المرات التي فشت فيها قصة حول التنازع على ولاية العهد أن هنالك من أراد عزل الأمير عبدالله من ولاية العهد في آخر أيام الملك فهد، وقد طبقت هذه الإشاعة في وقتها مدينة الرياض حتى أنه جاءني أحد الأصدقاء في منزلي متوتراً يحكي لي تفاصيل المؤامرة المفترضة ودقائقها فقلت له بكل وضوح ليس حباً في الأمير عبدالله ولا كرهاً في غيره لكن لا أظن أن الأسرة الحاكمة ستعبث في هذا الأمر فهو خطير ولو عبث أحد في استقرار البلد فسأنصر صاحب الحق ولو بيدٍ عارية حفاظاً على استقرار البلاد.
والحق أن ولاية العهد وسلاسة انتقال الحكم نعمة كبيرة وعامل رئيسي من عوامل الاستقرار ولطالما حاول المرجفون العبث في هذه المنطقة وبث القلق بين المواطنين من خلالها لذلك تحرص الدولة دائماً على تقريرها في النفوس ويحرص أبناء العائلة الحاكمة على إظهار المبالغة في احترام هذه الآلية.
عهد عبدالله
أظلنا عهد الملك الجديد والصديق القديم فكنا ممتلئين بالأمل ندعوا له بالصحة والعافية ليتمكن من العمل والإصلاح، خلعنا عليه الألقاب فرحنا لما رأينا ملكاً إنساناً يضحك ويبكي حازم حيناً مرح حيناً آخر شديد الصراحة وشديد التلقائية، كما أن الله فتح لنا خزائن الخير فتحسنت عائدات الحكومة، كل شيء كان يدعو للتفاؤل.
ورغم الصعاب التي واجهها العهد الجديد فقد احتشد الشعب كله وراء ولي الأمر وأظهر الحب والدعم والولاء في ظاهرة لا أظنها تتكرر في التاريخ، كانت أول مشكلة هي الإرهاب ثم الحروب والقلاقل الأهلية في الدول المجاورة والمؤامرة الدولية لتقسيم المنطقة.
كما رافق عهد الملك عبدالله الانفتاح الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي وتعدد وسائل التعبير عن الرأي، ورغم كل ذلك فقد بقي الجميع على حبهم للرجل حتى أننا شاهدنا رجلاً مثل الدكتور عبدالله الحامد يتأهب للسجن ورغم ذلك فإنه يصف الملك عبدالله في آخر مقابلة تلفزيونية له بالإصلاحي الأول.
ورغم كل ذلك الاحتشاد الشعبي إلا أن الإنجاز كان دون الطموح على مستوى الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد وعلى الصعيد التنموي، وقد وجدنا في هذا العهد اختلافاً في ما استقرت عليه البلاد من معالم المجتمع المسلم المحافظ.
ولكن إجلالاً لأمر الموت - وأنا أكتب هذه السطور بعد ساعتين فقط من إعلان وفاة الملك عبدالله رحمه الله وغفر لنا وله ولموتى المسلمين - فإنني أترك تقييم عهده من وجهة نظري كمواطن بسيط إلى وقت آخر، ولعل ماوقع من تقصير في عهده يعود إلى كبر السن والمرض، ولكن لا أستطيع أن أكبت تأسفي على حجم الحب والتطلعات الشعبية أمام الإنجازات المتواضعة والتغيير المرفوض لمعالم المجتمع المسلم المحافظ.
رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز ووفق الملك سلمان بن عبدالعزيز لما فيه خير البلاد والعباد . . آمين