الثلاثاء، 3 مايو 2011

لا أحب الحكومة !

        بسم الله الرحمن الرحيم

نعم أقول وبكل وضوح أنا لا أحب الحكومة، لا أكتب هذا العنوان على طريقة الصحفيين في فبركة عنوان مبهر بعيد عن المحتوى . . كلا . . أنا فعلاً لا أحب الحكومة.
 وليس ذلك فقط بسبب تخصصي فنحن معشر الاقتصاديين لانؤمن بالحكومات ولا بإمكانية تحقيقها للتوظيف الأمثل للموارد وإن كانت طائفة منا ترى أن للحكومة دور توجيهي مهم بل أحياناً تخطيطي وتنفيذي كامل مثل ماهو عند الاشتراكيين ولكننا نقول لهم هنيئاً لكم تخطيطكم الذي عجز عن توفير الخبز لكم.
لست بدعاً من الكتاب ولا أخترع شيئاً جديداً هنا فالأمر أصبح من المسلمات الحكومات التقليدية غير قادرة على تحقيق تطلعات المجتمعات والنخب السياسية.
في بلدنا الكريم يتجاوز الأمر ذلك ويصل إلى أن يخلق الموظف الحكومي صنماً من البيروقراطية كما كان أجداده يفعلون قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ويظل عليه عاكفا ! . . حتى أنه يأتيه رسول الملك برسالة جديدة ولكنه يأبى إلا وأن يركع ويسجد لصنمه . . تجد الملك يأمر بتوظيف من هم على البنود ورفع الرواتب والموظف الفاضل يستشير صنمه أولاً ! . . الملك يأمر بمكافأتين وراتبين فنجد الموظف يستشير صنمه ! . . يضج الناس وتثور الجرائد ويشتعل الإنترنت وصاحبنا في خلوته مع صنمه البشع !
دع عنك الدهشة من تقديم هؤلاء أصنامهم على كل شيء بل والتلكؤ في تنفيذ الأوامر الملكية وأخبرني كيف بالله عليك سيتمكن صاحب الصنم من القيادة والريادة والنهوض باقتصاد البلد والوصول به إلى مانرتجيه؟
ومن باب حفظ الحقوق لاننكر جهود بعض الطليعة أصحاب الأفكار الخلاقة الذين قدموا للبلد أفكاراً مهمة مثل إنشاء الشركات الصناعية والخدمية العملاقة، ولكن حتى هذه نرى الآن أنها تتحول إلى أداء حكومي رتيب وتتخلى عن ريادتها السابقة.
حضرت قبل أكثر من عشر سنوات ندوة عن الحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية . . مهلاً هل قلت ندوة أعتذر . . في حينها رفض معالي الوزير المسؤول أن تكون (ندوة) فالندوة تحتاج إلى إذن المقام السامي فاضطر المنظمون عقدها تحت مسمى ورشة عمل، طيب لماذا رفض معاليه الندوة؟ لأنه قال ما المقصود بالحكومة الإلكترونية؟! . . هل يعني ذلك أنه ماراح يبقى لنا لازمة؟! . . نعتذر لمعاليه ونترك التعليق للقاريء.
إن مثل هذه العقليات موجودة في الحكومة وإذا كان هذا حال الوزير فحدث ولا حرج عن من هم دونه، وإن كان تبني التقنية الحديثة قد أصبح اليوم مطلوباً من جميع الجهات الحكومية على الأقل في الظاهر ولكن تبقى عقلية الممانعة في حاجة لعملية غسيل وكي، في بعض الدوائر الحكومية يوجد الكمبيوتر للزينة ولايعمل أبداً ويوجد عامل مختص بتنظيفه يومياً وبالتالي أصبح الجهاز مخدوماً بدل أن يكون خادماً !
عوداً على بدء أعتقد أن التقصير الملاحظ عند الحكومة في التخطيط والتنفيذ مرده للفشل في رصد المعلومة وتنسيقها وتقديمها للمستفيد وهذا يترك مجالاً كبيراً للأخطاء والاجتهادات الشخصية التعيسة والمعالجات البدائية البعيدة عن التنظيم، والأخطر من ذلك كله الفساد. وبمناسبة الأخير (الفساد) يدهشني دائماً قدرة صاحب الصنم الذي وقف أمام كل شيء حتى القرارات الملكية ورفض التفكير حتى يعود إلى صنمه ليسأله تدهشني قدرته على تجاوز الصنم عندما يكون له مصلحة شخصية في الموضوع! حينها ستحل المشاكل وينكسر الصنم! سبحان الله!
من الأمور المؤسفة لي شخصياً أن الفشل الحكومي يتسبب في خيبة الأمل لدى المواطن البسيط ولدى القيادة السياسية ولا أجد تعبيراً عن أسى الملك أكثر من عباراته هو التي وجهها للمسؤولين وتساؤله عن المشاريع الخدمية وهل هي في الهواء؟! . . والمصيبة أنه لايوجد جواب لسؤال المواطن ولا لسؤال الملك لأن المسؤول الحكومي نفسه لايملك الإجابة!
دعوني هنا أطرح رؤيتي للحل ولعلها تكون بذرة لشيء جديد من يعلم؟
أعتقد أن حل المشكل الحكومي السعودي هو في حكومة إلكترونية كاملة من جهة والتواصل الإلكتروني مع الجمهور من جهة أخرى.
فبالنسبة للإدارات الحكومية لابد لها من التحول الكامل للأعمال الإلكترونية فعندما يتمكن الفرد من إنجاز معاملاته بالكمبيوتر لن يحتاج لتملق كل من يراه في الدوائر الحكومية والتردد عليها مراراً لإنجاز أعماله ولن يحتاج التاجر لإضاعة وقته بين المكاتب والوزارات ولا أخفيكم دهشتي مع عدد من الإخوان عند حضور مؤتمر الشهر الفائت يناقش آفاق الإقتصاد السعودي وعند مرورنا على جناح للمدن الصناعية للتأكد من إجراءات معينة تخص عملاً صناعياً نزمع الدخول فيه فكان جواب الموظف أنه بإمكاننا من الإنترنت الحصول على تصريح مبدأي والبدء مباشرة في العمل! . .فعلاً كانت قمة الصدمة خاصة وأننا كنا نبحث عن معارفنا هنا وهناك وفي هيئة المدن الصناعية واتضح أنه لاحاجة لكل ذلك، هذا ما أتحدث عنه، هذا مانحتاج إليه للإنطلاقة الاقتصادية الحقيقية.
أما بالنسبة مثلاً لمشاريع الطرق والكباري والإنشاءات فأعتقد أن صفحة في الفيس بوك لمشروع نفق أو كبري مثلاً لن تكلف المقاول شيئاً، بشرط أن يديرها موظف من المقاول ويتابعها شخص من الجهة المسؤولة ونكون نحن زوارها وروادها والمراقبين لأدائها بمشاركة أعضاء المجالس البلدية وأعضاء مجلسي المنطقة والشورى، فكم من ملاحظات يراها المواطن البسيط في هذه المشاريع وتثبت صحتها، فلنحاسب نحن هذه المشاريع ونراقبها وعلى القائمين عليها التفاعل مع المواطن.
نحن دولة ناشئة دولة جديدة فما المانع أن يكون لنا حظ من الريادة في العالم؟ والتقنية تجعل ريادتنا في متناول أيدينا بضغطة زر فلنفعلها ولنكن الدولة الأولى في نقل المواطن إلى مرحلة التفاعل والتواصل الدائم مع الحكومة وتوجيهها للأسلوب الأمثل لخدمته.
أما بالنسبة للفساد فسآتيكم بمثال . . تأبى علي عقليتي الاقتصادية أن أتقبل الدعم الحكومي وذلك لسبب بسيط فنحن معشر الاقتصاديين نؤمن أن الدعم لايوظف دائماً بالشكل المناسب بل ويتم التلاعب به ويكون مصدراً للفساد والإثراء غير المشروع.
في حالة دعم البنزين مثلاً الأمر تحت السيطرة إلى حد ما والسبب في ذلك أن جل البنزين محلي الإنتاج ويبقى الجزء المستورد للأسف مكاناً للفساد، أنا هنا أناقش فقط الأثر الاقتصادي من جانب الفساد وإلا فدعم البنزين له جوانب أخرى مؤثرة في الاقتصاد طبعاً، أما في حالة القمح والشعير والأرز وحليب الأطفال وغيرها فهي مجال خصب للفساد لأنه يغلب عليها الاستيراد فعلى التاجر أن يحاسب الجهات الرسمية بفواتيره ثم يستلم الدعم! ناهيك عن الدعم المتغير حسب النوعية مثل الأرز.
هنا أقول لماذا لايتم تقديم دعم حليب الأطفال مثلاً مباشرة إلى الأب أو الأم عن طريق رقم السجل المدني للطفل الرضيع حتى يبلغ ثلاث أو أربع سنوات - على اعتبار أنه سيستمر في الحاجة إلى الحليب والتغذية الجيدة – والموضوع عبارة عن عمليات محاسبة بالكمبيوتر بين الأحوال المدنية (التي لاتكذب) وبين البنوك بإشراف المالية.
هذا مثال وبإمكاننا إيجاد حلول مشابهة لأنواع الدعم الأخرى والابتعاد عن تكوين الكيانات الحكومية الضخمة المكلفة والبطيئة لإدارة مثل هذه الأمور.
ربما عندما تصبح الحكومة أكثر فعالية وتحقق آمالي وآمال كل مواطن وآمال القيادة السياسية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين . . ربما سأغير رأيي وأحب الحكومة.
نعم أيها المسؤول الحكومي المخضرم . . نعم عندنا حلول . .

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله
    أشكرك أولا على العنوان الواضح والصريح ذو الدلالة المباشرة للمحتوى دون أدنى فبركه, وأشكرك ثانياً على "كرهك الشريف للحكومه" النادر في مثل هذا الوقت فياليت الجميع ينتهجون مثل هذا النوع من "الكره الشريف". وشكراً لله أن لازال في هذا البلد "من يبكّيني ولا يضحّك الناس علي" ;)

    ردحذف